كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب في العمرى
قال: سألت الشافعي عمن أعمر عمرى له ولعقبه فقال: هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها فقلت: وما الحجة؟ فقال: السنة الثابتة من حديث الناس وحديث مالك عن النبي ﷺ قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنما هي للذي يعطاها) لا ترجع إلى الذي أعطى عطاء وقعت فيه المواريث قال: وبها نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الأمصار بغير المدينة وأكابر أهل العلم وقد روى هذا مع جابر بن عبد الله زيد بن ثابت عن النبي ﷺ فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا فقال: أتخافونه وأنتم تروونه عن رسول الله ﷺ فقلت: إن حجتنا فيه أن مالكا قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال له القاسم: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ما أجابه القاسم عن العمرى بشيء وما أخبره إلا أن الناس على شروطهم فإن ذهب إلى أن يقول: العمرى من المال والشرط فيها جائز فقد شرط الناس في أموالهم شروطا لا تجوز لهم فإن قال قائل: وما هي؟ قيل: الرجل يشتري العبد على أن يعتقه والولاء للبائع فيعتقه فهو حر والولاء للمعتق والشرط باطل فإن قال: السنة تدل على إبطال هذا الشرط قلنا: والسنة تدل على إبطال الشرط في العمرى فلم أخذت بالسنة مرة وتركتها مرة؟ قول القاسم لو كان قصد به قصد العمرى فقال: إنهم على شروطهم فيها لم يكن في هذا ما يرد به الحديث عن النبي ﷺ فإن قال قائل ولم؟ قيل: نحن لا نعلم أن القاسم قال هذا إلا بخبر يحيى عن عبد الرحمن عنه وكذلك علمنا قول النبي ﷺ في العمرى بخبر ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي ﷺ وغيره فإذا قبلنا خبر الصادقين فمن روى هذا عن النبي ﷺ أرجح ممن روى هذا عن القاسم لا يشك عالم أن ما ثبت عن رسول الله ﷺ أولى أن يقال به مما قاله أناس بعده قد يمكن أن لا يكونوا سمعوا من رسول الله ولا بلغهم عنه شيء وأنهم لناس لا نعرفهم فإن قال قائل: لا يقول القاسم قال الناس إلا لجماعة من أصحاب رسول الله أو من أهل العلم لا يجهلون للنبي ﷺ سنة ولا يجمعون أبدا من جهة الرأي ولا يجمعون إلا من جهة السنة قيل له أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال لأهلها: شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة وأنتم تزعمون أنها ثلاثة فإذا قيل لكم تتركون قول القاسم والناس إنها تطليقة قلتم: لا ندري من الناس الذين يروي هذا عنهم القاسم فإن لم يكن قول القاسم والناس حجة عليكم في رأي أنفسكم لهو عن أن يكون على رسول الله ﷺ حجة أبعد ولئن كان حجة لعله أخطأتم بخلافكم إياه برأيكم وإنا لنحفظ عن ابن عمر في العمرى مثل قول رسول الله ﷺ.
[قال الشافعي]: رحمه الله أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وحميد الأعرج عن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت عند ابن عمر فجاءه رجل من أهل البادية فقال: إني وهبت لابني ناقة حياته وإنها تناتجت إبلا فقال ابن عمر: هي له حياته وموته فقال: إني تصدقت عليه بها قال: ذلك أبعد لك منها.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت مثله إلا أنه قال: أضنت واضطربت يعني كبرت واضطربت.
[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان عن عمرو عن سليمان بن يسار أن طارقا قضى بالمدينة بالعمرى عن قول جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ.
[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان عن عمرة عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت أن النبي ﷺ قال: (العمرى للوارث).
[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: (لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فسبيله سبيل الميراث).
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال: حضرت شريحا قضى لأعمى بالعمرى فقال له الأعمى: يا أبا أمية بما قضيت لي؟ فقال له شريح: لست أنا قضيت لك ولكن محمد ﷺ قضى لك منذ أربعين سنة قال: ومن أعمر شيئا حياته فهو لورثته إذا مات.
[قال الشافعي]: فتتركون ما وصفت من العمرى مع ثبوته عن رسول الله ﷺ وقول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وهذا عندكم عمل بعد النبي ﷺ لتوهم في قول القاسم وأنتم تجدون في قول القاسم أفتى في رجل قال لأمة قوم شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة ثم تخالفونه برأيكم وما روى القاسم عن الناس. والله أعلم.