كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب في قطع العبد



باب في قطع العبد


[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عبدا له سرق وهو آبق فأبى سعيد بن العاص أن يقطعه فأمر به ابن عمر فقطعت يده، فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يقطع السيد يد عبده إذا أبى السلطان يقطعه ف[قال الشافعي]: قد كان سعيد بن العاص من صالحي ولاة أهل المدينة فلما لم ير أن يقطع الآبق أمر ابن عمر بقطعه وفي هذا دليل على أن ولاة أهل المدينة كانوا يقضون بآرائهم ويخالفون فقهاءهم وأن فقهاء أهل المدينة كانوا يختلفون فيأخذ أمراؤهم برأي بعضهم دون بعض وهذا أيضا العمل لأنكم كنتم توهمون أن قضاء من هو أسوأ حالا من سعيد ومثله لا يقضي إلا بقول الفقهاء وأن فقهاءهم زعمتم لا يختلفون وليس هو كما توهمتم في قول فقهائهم ولا قضاء أمرائهم وقد خالفتم رأي سعيد وهو الوالي وابن عمر وهو المفتي فأين العمل؟ إن كان العمل فيما عمل به الوالي فسعيد لم يكن يرى قطع الآبق وأنتم ترون قطعه وإن كان العمل في قول ابن عمر فقد قطعه وأنتم ترون أن ليس لنا أن نقطعه وما درينا ما معنى قولكم العمل ولا تدرون فيما خبرنا وما وجدنا لكم منه مخرجا إلا أن تكونوا سميتم أقاويلكم العمل والإجماع فتقولون على هذا العمل وعلى هذا الإجماع تعنون أقاويلكم وأما غير هذا فلا مخرج لقولكم فيه عمل ولا إجماع لأن ما نجد عندكم من روايتكم ورواية غيركم اختلاف لا إجماع الناس معكم فيه لا يخالفونكم قلت للشافعي قد فهمت ما ذكرت أنا لم نصر إلى الأخذ به من الحديث عن النبي والآثار عن أصحاب النبي وما تركنا من الآثار عن التابعين بالمدينة من رواية صاحبنا نفسه وتركنا مما روى وخالفنا فيه فهل تجد فيما روى غيرنا شيئا تركناه؟ قال: نعم أكثر من هذا في رواية صاحبكم لغير قليل فقلت له: قلنا علم ندخله مع علم المدنيين قال: أي علم هو؟ قلت علم المصريين وعلم غير صاحبنا من المدنيين.

[قال الشافعي]: ولم أدخلتم علم المصريين دون علم غيرهم مع علم أهل المدينة؟ فقلت: أدخلت منه ما أخذوا عن أهل المدينة قال: ومن ذلك علم خالد بن أبي عمران؟ قلت: نعم.

[قال الشافعي]: فقد وجدتك تروي عن خالد بن أبي عمران أنه سأل سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار فنظرت فيما ثبت أنت عن هؤلاء النفر فرأيت فيه أقاويل تخالفها ووجدتك تروي عن ابن شهاب وربيعة ويحيى بن سعيد فوجدتك تخالفهم ولست أدري من تبعتم إذا كنت تروي أنت وغيرك عن النبي أشياء تخالفها ثم عمن رويت عنه هذا من أصحاب النبي ثم عن التابعين ثم عمن بعدهم فقد أوسعت القرون الخالية والباقية خلافا ووضعت نفسك بموضع أن لا تقبل إلا إذا شئت وأنت تعيب على غيرك ما هو أقل من هذا وعند من عبت عليه عقل صحيح ومعرفة يحتج بها عما يقول ولم نر ذلك عندك والله يغفر لنا ولك قال: ويدخل عليك من هذا خصلتان فإن كان علم أهل المدينة إجماعا كله أو الأكثر منه فقد خالفته لا بل قد خالفت أعلام أهل المدينة من كل قرن في بعض أقاويلهم وإن كان في علمهم افتراق فلم ادعيت لهم الإجماع.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وما حفظت لك مذهبا واحدا في شيء من العلم استقام لك فيه قول ولا حفظت أنك ادعيت الحجة في شيء إلا تركتها في مثل الذي ادعيتها فيه وزعمت أنك تثبت السنة من وجهين: أحدهما أن تجد الأئمة من أصحاب النبي قالوا بما يوافقها والآخر أن لا تجد الناس اختلفوا فيها وتردها إن لم تجد للأئمة فيها قولا وتجد الناس اختلفوا فيها ثم تثبت تحريم كل ذي ناب من السباع واليمين مع الشاهد والقسامة وغير ذلك مما ذكرنا هذا كله لا تروي فيه عن أحد من الأئمة شيئا يوافقه بل أنت تروي في القسامة عن عمر خلاف حديثك عن النبي وتروي فيها عن النبي خلاف حديثك الذي أخذت به ويخالفك فيها سعيد بن المسيب برأيه وروايته ويخالفك فيها كثير من أهل المدينة ويردها عليك أهل البلدان ردا عنيفا وكذلك أكثر أهل البلدان ردوا عليك اليمين مع الشاهد ويدعون فيها أنها تخالف القرآن ويردها عليك بالمدينة عروة والزهري وغيرهما وبمكة عطاء وغيره ويرد كل ذي ناب من السباع عائشة وابن عباس وغيرهما ثم رددت: (أن النبي تطيب للإحرام وبمنى قبل الطواف ابن أبي وقاص وابن عباس كما تطيب النبي ) وعلى هذا أكثر المفتين بالبلدان فتترك هذا لان رويت أن عمر كره ذلك ولا يجوز لعالم أن يدع قول النبي لقول أحد سواه فإن قلت قد يمكن الغلط فيمن روى هذا عن النبي فهكذا يمكن الغلط فيمن روى ما رويت عن عمر. فإن جعلت الروايتين ثابتتين معا فما روي عن النبي أولى أن يقال به وإن أدخلت التهمة على الراويين معا فلا تدع الرواية عن أحد أخذت عنه وأنت تتهمه، قلت للشافعي: أفيجوز أن تتهم الرواية؟ قال: لا إلا أن يروى حديثان عن رجل واحد مختلفان فذهب إلى أحدهما فأما رواية عن واحد لا معارض لها فلا يجوز أن تتهم ولو جاز أن تتهم لم يجز أن نحتج بحديث المتهمين بغير معارض روايته فأما أن يروي رجل عن رجل عن النبي شيئا ويروي آخر عن رجل من أصحاب النبي شيئا يخالفه فليس هذه معارضة هذه رواية عن رجل وهذه عن آخر وكل واحد منهما غير صاحبه ثم لم تثبت على ما وصفت من مذهبك حتى تركت قول عمر في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته فقلت: لا يكون للذي التقطه ولاؤه ولا أحسب حجة لك في هذا إلا أن تقول قال النبي : (الولاء لمن أعتق) وهذا غير معتق.

ورويت عن عمر أنه بدأ في القسامة المدعى عليهم فأبوا فردها على المدعين فأبوا الأيمان فأغرم المدعى عليهم نصف الدية فخالفته أنت فقلت يبدأ المدعون ولا نغرم المدعى عليهم إذا لم يحلف من أنه بدأ المدعين ولم يجعل على المدعى عليهم غرامة حين لم يقبل المدعون أيمانهم ورويت عن عمر أنه قال في المؤمن يؤمن العلج ثم يقتله لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا قتلته فخالفته وقلت: لا يقتل مؤمن بكافر مع ما وصفنا مما تركت على عمر والرجل من الصحابة ثم تتخلص إلى أن تترك عليه لرأي نفسك ولا يجوز إذا كانت السنة حجة على قول من تركها أن لا يوافقها إلا أن تكون كذلك أبدا ولا يجوز هذا القول المختلط المتناقض ورويت عن عمر في الضرس جمل وعن ابن المسيب في الضرس جملان ثم تركت عليهما معا قولهما ولا أعلم لك حجة في هذا أقوى من أن النبي قال: (في السن خمس) وأن الضرس قد يسمى سنا ثم صرت إلى أن رويت: (أن النبي أمر امرأة أن تحج عن أبيها) وهذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وابن المسيب وربيعة وكل من عرفت قوله من كل أهل بلد غير أصحابك لا أعلمهم يختلفون فيه فتركته لقياس زعمت على قول ابن عمر لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد فقلت: والحج يشبههما.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ورويت عن ابن عمر أنه سمع الإقامة فأسرع المشي إلى المسجد فتركته عليه لا أعلم لك حجة في تركه عليه إلا أن النبي قال: (لا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة) ورويت عن ابن عمر أنه كان ينضح في عينيه الماء إذا اغتسل من الجنابة وخالفته ولم ترو عن أحد من الناس خلافه ورويت عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع ورويت عن النبي مثله ثم خالفته وهو يوافق سنة رسول الله لغير قول أحد من الناس رويته عنه ورويت عن ابن عمر أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه حتى يخرجهما في شدة البرد وتروي: (عن النبي أنه أمر أن يسجد على سبع فيها الكفان) فخالفت ابن عمر فيما يوافق فيه النبي فإذا كنت تخالف ما رويت عن النبي في الطيب للمحرم لقول عمر وما رويت عن عمر في تقريد البعير وهو محرم لقول ابن عمر وما رويت عن ابن عمر فيما وصفنا وغيره لقول نفسك فلا أسمع العلم إذا إلا علمك ولا أعلمك تدري لأي شيء تحمل الحديث إذا كنت تأخذ منه ما شئت وتترك منه ما شئت ورويت عن النبي ولم تعتمدوا على أمر تعرفونه. فقلت للشافعي: إنما ذهبنا إلى أن نثبت ما اجتمع عليه أهل المدينة دون البلدان كلها ف[قال الشافعي]: هذه طريق الذين أبطلوا الأحاديث كلها وقالوا نأخذ بالإجماع إلا أنهم ادعوا إجماع الناس وادعيتم أنتم إجماع بلد هم يختلفون على لسانكم والذي يدخل عليهم يدخل عليك معهم للصمت كان أولى بكم من هذا القول قلت ولم؟ قال: لأنه كلام ترسلونه لا بمعرفة فإذا سئلتم عنه لم تقفوا منه على شيء ينبغي لأحد أن يقبله أرأيتم إذا سئلتم من الذين اجتمعوا بالمدينة؟ أهم الذين ثبت لهم الحديث وثبت لهم ما اجتمعوا عليه وإن لم يكن فيه حديث من أصحاب رسول الله ؟ فإن قلتم: نعم قلت يدخل عليكم في هذا أمران أحدهما أنه لو كان لهم إجماع لم تكونوا وصلتم إلى الخبر عنهم إلا من جهة خبر الانفراد الذي رددتم مثله في الخبر عن رسول الله فإن ثبت خبر الانفراد فما ثبت عن النبي أحق أن يؤخذ به والآخر أنكم لا تحفظون في قول واحد غيركم شيئا متفقا فكيف تسمون إجماعا لا تجدون فيه عن غيركم قولا واحدا؟ وكيف تقولون: أجمع أصحاب رسول الله وهم مختلفون على لسانكم وعند أهل العلم؟ فإن قلتم إنا ذهبنا إلى أن إجماعهم أن يحكم أحد الأئمة أبو بكر أو عمر أو عثمان رضي الله عنهم بالمدينة بحكم أو يقول القول ف[قال الشافعي]: إنه قد احتج لكم بعض المشرقيين بأن قال: ما قلتم وكان حكم الحاكم وقول القائل من الأئمة لا يكون بالمدينة إلا علما ظاهرا غير مستتر وهم يجمعون أنهم أعلم الناس بسنن رسول الله وأطلب الناس لما ذهب علمه عنهم منها يسألون عنها على المنبر وعلى المواسم وفي المساجد وفي عرام الناس ويبتدئون فيخبرون بما لم يسألوا عنه فيقبلون ممن أخبرهم ما أخبرهم إذا ثبت لهم فإذا حكم أحدهم الحكم لم تجوز أن يكون حكم به إلا وهو موافق سنة رسول الله وغير مخالف لها فإن جاء حديث عن النبي فخالفه من وجهة الانفراد اتهم لما وصفت فقلت للشافعي هذا المعنى الذي ذهبنا إليه بأي شيء احتججت عليه.

[قال الشافعي]: أول ما نحتج به عليكم من هذا أنكم لا تعرفون حكم الحاكم منهم ولا قول القائل إلا بخبر الانفراد الذي رددتم مثله إذا روي عن النبي الفرض من الله وما روي عمن دونه لا يحل محل قول النبي أبدا فكيف أجزتم خبر الانفراد عن بعض أصحاب النبي ورددتموه عن النبي ؟ فقلت للشافعي: فما رد عليك، فقال: ما كان عنده في هذا شيء أكثر من الخروج منه وأنا أعلم - إن شاء الله - أنه يعلم أنه يلزمه فهل عندكم في هذا حجة؟ فقلت: ما يحضرني قال: فقلت للشافعي: وما حجتك عليه سوى هذا؟ ف[قال الشافعي]: قد أوجدتكم أن عمر - مع فضل علمه وصحبته وطول عمره وكثرة مسألته وتقواه - قد حكم أحكاما بلغه بعضها عن النبي شيء فرجع عن حكمه إلى ما بلغه عن رسول الله ورجع الناس عن بعض حكمه بعده إلى ما بلغهم عن النبي فإنه قد يعزب عن الكثير الصحبة الشيء من العلم يحفظه الأقل علما وصحبة منه فلا يمنعه ذلك من قبوله واكتفيت من ترديد هذا بما وصفت في كتاب هذا وكتاب جماع العلم.

[قال الشافعي]: ولو لم يكن هذا هكذا ما كان على الأرض أحد أعلمه أترك لما زعم أن الصواب فيه منكم قلت: فكيف؟ قال: قد تركتم على عمر بن الخطاب من روايتكم منها ما تركتموه وزعمتم لأن الحديث عن النبي جاء يخالفه ومنها ما تركتموه لأن ابن عمر خالفه ومنها ما تركتموه لرأي أنفسكم لا يخالف عمر فيه أحد يحفظ عنه فلو كان حكم الحاكم وقوله يقوم المقام الذي قلت كنت خارجا منه فيما وصفنا وفيما روى الثقات عن عمر أنكم لتخالفون عنه أكثر من مائة قول منها ما هو لرأي أنفسكم ومثلكم وحفظت أنك تروي عن أبي بكر ستة أقاويل تركتم عليه منها خمسة اثنين في القراءة في الصلاة وأخرى في نهيه عن عقر الشجر وتخريب العامر وعقر ذوات الأرواح إلا لمأكلة وحفظت أنك تركت على عثمان أنه كان يخمر وجهه وهو محرم من روايتكم وغير ذلك وما تركت عليهم من رواية الثقات من أهل المدينة أضعاف ما تركتم عليهم من روايتكم لغفلة ولقلة روايتكم وكثرة روايتهم فإن ذهبتم إلى غيرهم من أصحاب النبي فلم ترووا عن أحد قط شيئا علمته إلا تركتم بعض ما رويتم وإن ذهبتم إلى التابعين فقد خالفتم كثيرا من أقاويلهم وإن ذهبتم إلى تابعي التابعين فقد خالفتم أقاويلهم مما رويتم وروى غيركم ما كتبنا منه في هذا الكتاب شيئا يدل على ما رويتم وما تركنا من رواية غيركم أضعاف ما كتبنا فإن أنصفتم بأقاويلكم فلا تشكوا في أنكم لم تذهبوا مذهبا علمناه إلا فارقتموه كأن كانت حجتكم لازمة فحالكم بفراقها غير محمودة وإن كانت غير لازمة دخل عليكم فراقها والضعف في الحجة بما لا يلزم قال: فقلت للشافعي: فقد سمعتك تحكي أن بعض المشرقيين قام بحجتنا فيما ذكرنا من الإجماع فأحب أن تحكي لي ما قلت وقال: لك فقال لي الشافعي: فيما حكيت الكفاية مما لم أحك وما تصنع بما لم تقله أنت في حجتك؟ فقلت للشافعي: قد ذكرت الذي قام بالعذر في بعض ترك الحديث ووصفت أنه منسوب إلى البصرة فقال لي الشافعي: هو كما ذكرت وقد جاء منه على ما لم تأت عليه لنفسك ولو لم أر في مذهبه شيئا تقوم به حجة فقلت: فاذكر منه ما حضرك.

[قال الشافعي]: قلت له: أرأيت الفرض علينا وعلى من قبلنا في اتباع سنة رسول الله أليس واحدا؟ قال: بلى فقلت: إذا كان أبو بكر خليفة النبي والعامل بعده فورد عليه خبر واحد عن النبي وأبو بكر لا مدة بينه وبين النبي يمكنه فيها أن يعمل بالخبر فلا يترك ما تقول فيه؟ قال: أقول إنه يقبله ويعمل به فقلت: قد ثبت إذا بالخبر ولم يتقدمه عمل من أحد بعد عن النبي يثبته لأنه لم يكن بينهما إمام فيعمل بالخبر ولا يدعه وهو مخالف في هذا حال من بعده.

[قال الشافعي]: فقلت: أرأيت إذا جاء الخبر في آخر عمره ولا يعمل به ولا بما يخالفه في أول عمره وقد عاش أكثر من سنة يعمل فما تقول فيه؟ قال: يقبله فقلت: فقد قبل خبرا لم يتقدمه عمل.

[قال الشافعي]: لو أجبت إلى النصفة على أصل قولك يلزمك أن لا يكون على الناس العمل بما جاء عن النبي إلا بأن يعمل به من بعده أو يترك العمل لأنه إذا كان للإمام الأول أن يدعه لم يعمل به كان جميع من بعده من الأئمة في مثل حاله لأنه لا بد أن يبتدئ العمل به الإمام الأول أو الثاني أو من بعده قال: فلا أقول هذا.

[قال الشافعي]: فما تقول في عمر وأبو بكر إمام قبله إذا ورد خبر الواحد لم يعمل به أبو بكر ولم يخالفه؟ قال: يقبله قلت: أيقبله ولم يعمل به أبو بكر قال: نعم ولم يخالفه قلت: أفيثبت ولم يتقدمه عمل؟ قال: نعم: قلت وهكذا عمر في آخر خلافته وأولها؟ قال: نعم قلت: وهكذا عثمان؟ قال: نعم قلت: زعمت أن الخبر عن النبي يلزم ولم يتقدمه عمل قبله وقد ولي الأئمة ولم يعملوا به ولم يدعوه قال: فلا يمكن أن تكون للنبي سنة إلا عمل بها الأئمة بعده.

[قال الشافعي]: فقلت له وقد حفظ عن النبي أشياء لا يحفظ عن أحد من خلفائه فيها شيء؟ فقال: نعم سنن كثيرة ولكن من أين ترى ذلك.

[قال الشافعي]: فقلت: استغنى فيها فالخبر عن رسول الله عمن بعده وذلك أن بالخلق الحاجة إلى الخبر عنه وأن عليهم اتباعه ولعل منها ما لم يرد على من بعده قال: فمثل لي ما علمت أنه ورد على من بعده من خلفائه فلم يحك عنه فيه شيء قلت: قول النبي : (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) لا أشك أن قد ورد على جميع خلفائه لأنهم كانوا القائمين بأخذ العشر من الناس ولم يحفظ عن واحد منهم فيها شيء قال: صدقت هذا بين قلت: وله أمثال كثيرة قد كتبناها في غير هذا الموضع فقلت: إذا كان يرد علينا الخبر عن بعض خلفائه ويرد علينا الخبر عنه يخالفه فنصير إلى الخبر عن النبي لأن لكل غاية وغاية العلم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله أتعلم أن السنة ما كانت موجودة مستغنى بها عن غيرها؟ قال: نعم وقد سمعتك ذكرت ما لا أجهل من أنه قد يرد عن غير واحد من أصحاب النبي القول يقوله توجد السنة بخلافه فإن وجدها من بعده صار إليها فهذا يدل على ما ذكرت من استغناء السنة عما سواها وبالمدينة من أصحاب النبي نحو من ثلاثين ألف رجل إن لم يزيدوا لعلك لا تروي عنهم قولا واحدا عن ستة: نعم إنما تروي القول عن الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة متفرقين فيه أو مجتمعين والأكثر التفرق فأين الإجماع.

[قال الشافعي]: رحمه الله قلت له: ضع لقولك إذا كان الأكثر مثالا قال: نعم كأن خمسة نفر من أصحاب النبي قالوا قولا متفقين عليه وقال ثلاثة قولا مخالفا لقولهم فالأكثر أولى أن يتبع فقلت: هذا قلما يوجد وإن وجد أيجوز أن تعده إجماعا وقد تفرقوا موافقة؟ قال: نعم على معنى أن الأكثر مجتمعون قلت فإذا كان أصحاب النبي من العدد على ما وصفت فهل فيمن لم ترووا عنه من أصحاب النبي دلالة موافقة الأكثر فيكونون أكثر بعددهم من موافقتهم أو موافقة الثلاثة الأقلين فيكون الأقلون الأكثرين بمن وافقهم لا تدري لعلهم متفرقون ولا تدري أين الأقل وأصحاب النبي كلهم ممن له أن يقول في العلم قال: ما أدري كيف قولهم لو قالوا؟ وإن لهم أن يقولوا قلت: والصدق فيه أبدا أن لا يقول أحد شيئا لم يقله أحد أنه قاله ولو قلت وافقوا بعضهم قال غيرك: بل خالفوه قال: ولا ليس الصدق أن تقول وافقوا ولا خالفوا بالصمت قلت: هذا الصدق قلت: فترى ادعاء الإجماع يصح لمن ادعاه في شيء من خاص العلم.

[قال الشافعي]: وقلت له فهكذا التابعون بعدهم وتابعو التابعين وقال: وكيف تقول أنت؟ قلت: ما علمت بالمدينة ولا بأفق من آفاق الدنيا أحدا من أهل العلم ادعى طريق الإجماع إلا بالفرض وخاص من العلم إلا حدثنا ذلك الذي فيه إجماع يوجد فيه الإجماع بكل بلد ولقد ادعاه بعض أصحاب المشرقيين فأنكر عليه جميع من سمع قوله من أهل العلم دعواه الإجماع حيث ادعاه وقالوا: أومن قال ذلك منهم لو أن شيئا روي عن نفر من أصحاب النبي ثم عن نفر من التابعين فلم يرو عن مثلهم خلافهم ولا موافقتهم ما دل على إجماع من لم يرو عنه منهم لأنه لا يدري مجتمعون أم مفترقون لو قالوا: وسمعت بعضهم يقول لو كان بيننا من السلف مائة رجل وأجمع منهم عشرة على قول أيجوز أن ندعي أن التسعين مجتمعون معهم وقد نجدهم يختلفون في بعض الأمور ولو جاز لنا إذا قال لنا قائل شيئا أخذنا به لم نحفظ عن غيره قولا يخالفه ولا يوافقه أن ندعي موافقته جاز لغيرنا ممن خالفنا أن يدعي موافقته له ومخالفته لنا ولكن لا يجوز أن يدعى على أحد فيما لم يقل فيه شيء.

[قال الشافعي]: رحمه الله فقال لي: فكيف يصح أن تقول إجماعا؟ قلت: يصح في الفرض الذي لا يسع جهله من الصلوات والزكاة وتحريم الحرام وأما علم الخاصة في الأحكام الذي لا يضير جهله على العوام والذي إنما علمه عند الخواص من سبيل خبر الخواص وقليل ما يوجد من هذا فنقول فيه واحدا من قولين نقول: لا نعلمهم اختلفوا فيما لا نعلمهم اختلفوا فيه ونقول فيما اختلفوا فيه اختلفوا واجتهدوا فأخذنا أشبه أقاويلهم بالكتاب والسنة وإن لم يوجد عليه دلالة من واحد منهما وقلما يكون إلا أن يوجد أو أحسنها عند أهل العلم في ابتداء التصرف والمعقب ويصح إذا اختلفوا كما وصفت أن نقول روي هذا القول عن نفر اختلفوا فيه فذهبنا إلى قول ثلاثة دون اثنين وأربعة دون ثلاثة ولا نقول هذا إجماع فإن الإجماع قضاء على من لم يقل ممن لا ندري ما يقول لو قال: وادعاء رواية الإجماع وقد يوجد مخالف فيما ادعى فيه الإجماع.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فقال: قد علمت أنهم اختلفوا في الرأي الذي لا متقدم فيه من كتاب ولا سنة أفيوجد فيما اختلفوا فيه كتاب وسنة؟ قلت: نعم قال: وأين؟ قلت: قال الله عز وجل: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} وقال عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبو موسى الأشعري: لا تحل المرأة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وذهبوا إلى أن الأقراء الحيض وقال: هذا ابن المسيب وعطاء وجماعة من التابعين والمفتين بعدهم إلى اليوم وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر: الأقراء الأطهار فإذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت وقال هذا القول بعض التابعين وبعض المفتين إلي اليوم وقال الله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فقال علي بن أبي طالب تعتد آخر الأجلين وروي عن ابن عباس مثل قوله. وقال عمر بن الخطاب: إذا وضعت ذا بطنها فقد حلت وفي هذا كتاب وسنة وفي الأقراء قبله كتاب ودلالة من سنة وقال الله جل ثناؤه: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} فهي تطليقة وروي عن عثمان وزيد بن ثابت خلافه وقال علي بن أبي طالب وابن عمر ونفر من أصحاب النبي من الأنصار: لا يقع عليها طلاق ويوقف فإما أن يفيء وإما أن يطلق ومسح رسول الله على الخفين فأنكر المسح علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس وأبو هريرة وهؤلاء أهل علم بالنبي ومسح عمر وسعد وابن عمر وأنس بن مالك وهؤلاء أهل علم به والناس مختلفون في هذه الأشياء وفي كل واحد منها كتاب أو كتاب وسنة قال: ومن أين ترى ذلك؟ فقلت: تحتمل الآية المعنيين فيقول أهل اللسان بأحدهما ويقول غيرهم منهم بالمعنى الآخر الذي يخالفه والآية محتملة لقولهما معا لاتساع لسان العرب وأما السنة فتذهب على بعضهم وكل من ثبتت عنده السنة قال بها إن شاء الله ولم يخالفها لأن كثيرا منها يأتي واضحا ليس فيه تأويل.

[قال الشافعي]: وذكرت له مس الذكر فإن عليا وابن عباس وعمار بن ياسر وحذيفة وابن مسعود لا يرون فيه الوضوء وابن المسيب وغيره بالمدينة لا يرون منه الوضوء وسعدا وابن عمر يريان فيه الوضوء وبعض التابعين بالمدينة وفيه للنبي سنة بأن يتوضأ منه أخذنا بها وقد يروى عن سعيد أنه لا يرى منه الوضوء.

[قال الشافعي]: رحمه الله وقلت: الإجماع من أقوام مما يقدر عليه فكيف تكلف من ادعى الإجماع من المشرقيين حكاية خبر الواحد الذي لا يقوم به حجة فنظمه فقال: حدثني فلان عن فلان وترك أن يتكلف هذا في الإجماع فيقول: حدثني فلان عن فلان لنص الإجماع الذي يلزم أولى به من نص الحديث الذي لا يلزم عنده قال: إنه يقول يكثر هذا عن أن ينص فقلت له: فينص منه أربعة وجوه أو خمسة فقد طلبنا أن نجد ما يقول فما وجدنا أكثر من دعواه بل وجدنا بعض ما يقول الإجماع متفرقا فيه.

[قال الشافعي]: فقال: فإن قلت: إذا وجدت قرنا من أهل العلم ببلد علم يقولون القول يكون أكثرهم متفقين عليه سميت ذلك إجماعا وافقه من قبله أو خالفه فأما من قبلهم فلا يكون الأكثر منهم يتفقون على شيء بجهالة ما كان قبلهم ولا يتركون ما قبلهم أبدا إلا بأنه منسوخ أو عندهم ما هو أثبت منه وإن لم يذكروه قلت أفرأيت إذا أجزت لهم خلاف من فوقهم وهم لم يحكوا لك أنهم تركوا على من قبلهم قولهم لشيء علموه أتجيز ذلك بتوهمك عليهم أنهم لا يدعونه إلا بحجة ثابتة وإن لم يذكروها وقد يمكن أن لا يكونوا علموا قول من قبلهم فقالوا بآرائهم أتجيز لمن بعدهم أن يدعوا عليهم أقاويلهم التي قبلتها منهم ثم يقولون لمن بعدهم ما قلت لهم هم لا يدعونها إلا بحجة وإن لم يذكروها قال: فإن قلت: نعم؟ قلت إذا تجعل العلم أبدا للآخرين كما قلت أولا قال: فإن قلت لا؟ قلت: فلا تجعل لهم أن يخالفوا من قبلهم قال: فإن قلت: أجيز بعض ذلك دون بعض ذلك دون بعض قلت: فإنما زعمت أنك أنت العلم فما أجزت جاز وما رددت رد أفتجعل هذا لغيرك في البلدان فما من بلاد المسلمين بلد إلا وفيه علم قد صار أهله إلى اتباع قول رجل من أهله في أكثر أقاويله أفترى لأهل مكة حجة إن قلدوا عطاء فما وافقه من الحديث وافقوه وما خالفه خالفوه في الأكثر من قوله؟ أو ترى لأهل البصرة حجة بمثل هذا في الحسن أو ابن سيرين أو لأهل الكوفة في الشعبي وإبراهيم ولأهل الشام وكل من وصفنا أهل علم وإمامة في دهره وفوق من بعدهم وإنما العلم اللازم الكتاب والسنة وعلى كل مسلم اتباعهما قال: فتقول أنت ماذا؟ قلت: أقول ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر عمن سمعهما مقطوع إلا باتباعهما فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله أو واحد منهم ثم كان قول الأئمة أبي بكر أو عمر أو عثمان إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة فيتبع القول الذي معه الدلالة لأن قول الإمام مشهور بأنه يلزمه الناس ومن لزم قوله الناس كان أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر وقد يأخذ بفتياه أو يدعها وأكثر المفتين يفتون للخاصة في بيوتهم ومجالسهم ولا تعنى العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الإمام وقد وجدنا الأئمة يبتدئون فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا أن يقولوا فيه ويقولون فيخبرون بخلاف قولهم فيقبلون من المخبر ولا يستنكفون على أن يرجعوا لتقواهم الله وفضلهم في حالاتهم فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله من الدين في موضع أخذنا بقولهم وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم والعلم طبقات شتى الأولى الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة ثم الثانية الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة والثالثة أن يقول بعض أصحاب النبي ولا نعلم له مخالفا منهم والرابعة اختلاف أصحاب النبي في ذلك، الخامسة القياس على بعض الطبقات ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان وإنما يؤخذ العلم من أعلى وبعض ما ذهبتم إليه خلاف هذا ذهبت إلى أخذ العلم من أسفل قال فتوجدني بالمدينة قول نفر من التابعين متابعا الأغلب الأكثر من قول من قال فيه نتابعهم وإن خالفهم أحد منهم كان أقل عددا منهم فنترك قول الأغلب الأكثر لمتقدم قبله أو لأحد في دهرهم أو بعدهم؟ قلت: نعم قال: فاذكر منه واحدا قلت: إن لبن الفحل لا يحرم. قال: فمن قاله من التابعين أو السابقين؟

[قال الشافعي]: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري أن رجلا أرضعته أم ولد رجل من مزينة وللمزني امرأة أخرى سوى المرأة التي أرضعت الرجل وأنها ولدت من المزني جارية فلما بلغ ابن الرجل وبلغت بنت الرجل خطبها فقال له الناس: ويلك إنها أختك فرفع ذلك إلى هشام بن إسماعيل فكتب فيه إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك أنه ليس ذلك برضاع، أخبرنا الشافعي أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عمرو عن عبد الرحمن بن القاسم أنه كان يقول كان يدخل على عائشة من أرضعه بنات أبي بكر ولا يدخل عليها من أرضعه نساء بني أبي بكر. [قال]: أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن عبيد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة أن أمه زينب بنت أبي سلمة أرضعتها أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير فقالت زينب بنت أبي سلمة: فكان الزبير يدخل علي وأنا أمتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول: أقبلي علي فحدثيني أراه أنه أبى وما ولد فهم إخوتي ثم إن عبد الله بن الزبير قبل الحرة أرسل إلي فخطب أم كلثوم بنتي على حمزة بن الزبير وكان حمزة للكلبية فقلت لرسوله وهل تحل له إنما هي بنت أخته؟ فأرسل إلي عبد الله إنما أردت بهذا المنع لما قبلك ليس لك بأخ أنا وما ولدت أسماء فهم إخوتك وما كان من ولد الزبير من غير أسماء فليسوا لك بإخوة فأرسلي فسلي عن هذا فأرسلت فسألت وأصحاب النبي متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا لها: إن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه فلم تزل عنده حتى هلك.

[قال الشافعي]: رحمه الله أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن بعض آل رافع بن خديج أن رافع بن خديج كان يقول: الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا.

[قال الشافعي]: وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن سليمان بن يسار وعن عطاء بن يسار أن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا.

[قال الشافعي]: وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن مروان بن عثمان بن أبي المعلى أن عبد الملك كان يرى الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا قلت لعبد العزيز بن عبد الملك؟ قال ابن مروان.

[قال الشافعي]: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن ابن عباس كان لا يرى الرضاعة من قبل الرجال تحرم شيئا قال عبد العزيز وذلك كان رأي ربيعة ورأي فقهائنا وأبو بكر حدث عمرو بن الشريد عن ابن عباس في اللقاح واحد وقال: حديث رجل من أهل الطائف وما رأيت من فقهاء أهل المدينة أحدا يشك في هذا إلا أنه روي عن الزهري خلافهم فما التفتم إليه وهؤلاء أكثر وأعلم.

[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة: (عن عائشة قالت: جاء عمي من الرضاعة أفلح بن أبي القعيس يستأذن علي بعد ما ضرب الحجاب فلم آذن له فلما جاء النبي أخبرته فقال: إنه عمك، فأذنوا له) فقال: وما في هذا حديثها أم أبي بكر أرضعته فليس هذا برضاع من قبل الرجل ولو كان من قبل الرجل لكانت عائشة أعلم بمعنى ما تركت وكان أصحاب رسول الله والتابعون ومن أدركنا متفقين أو أكثرهم على ما قلنا ولا يتفق هؤلاء على خلاف سنة ولا يدعون شيئا إلا لما هو أقوى منه قال: قد كان القاسم بن محمد ينكر حديث أبي القعيس ويدفعه دفعا شديدا ويحتج فيه أن رأي عائشة خلافه.

[قال الشافعي]: فقلت له: أتجد بالمدينة من علم الخاصة أولى أن يكون علما ظاهرا عند أكثرهم من ترك تحريم لبن الفحل فقد تركناه وتركتموه ومن يحتج بقوله إذا كنا نجد في الخبر عن النبي كالدلالة على ما نقول أفيجوز لأحد ترك هذا العام المتصل ممن سمينا من أزواج النبي وأصحابه والتابعين من بعدهم بالمدينة أن يقبل أبدا عمل أكثر من روي عنه بالمدينة إذا خالف حديثا عن النبي نصا ليس من هذا الحديث لعلمهم بحديث النبي ؟ قال: لا قلت: فقد ترك من تحتج بقوله هذا ولا أعلم له حجة في تركه إلا ما ثبت عن النبي أنه: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولاد) فقال لي: فلذلك تركته؟ فقلت: نعم فأنا لم يختلف بنعمة الله قولي في أنه لا أذهب إذا ثبت عن النبي شيء إلى أن أدعه لأكثر أو أقل مما خالفنا في لبن الفحل وقد يمكن أن يتأول حديث النبي إذا كان من النساء دون الرجال فأخذت بأظهر معانيه وإن أمكن فيه باطن وتركتم قول الأكثر ممن روي عنه بالمدينة ولو ذهبت إلى الأكثر وتركت خبر الواحد عن النبي ما عدوت ما قال: الأكثر من المدنيين أن لا يحرم لبن الفحل.

[قال الشافعي]: وقد وصفت حديث الليث بن سعد عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال: عقل العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته وقال الزهري وإن ناسا ليقولون يقوم سلعة فالزهري قد جمع قول أهل المدينة ابن المسيب ومن خالفه فخرج صاحبكم من جميع ذلك وهذا عندكم كالإجماع ما هو دونه عندكم إجماع بالمدينة وقلتم قولا خارجا من قول أهل العلم بالمدينة وأقاويل بني آدم وذلك أنكم قلتم مرة كما قال ابن المسيب: جراحه في ثمنه كجراح الحر في ديته في الموضحة والمأمومة والمنقلة ثم خالفتم ما قال ابن المسيب أخرى فقلتم: يقوم سلعة فيكون فيها نقصه فلم تمحضوا قول واحد منهم.

[قال الشافعي]: وقد أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي: (أن رجلا خطب إلى النبي امرأة فقال له النبي في صداقها: التمس ولو خاتما من حديد) وحفظنا عن عمر قال: في ثلاث قبضات من زبيب فهو مهر.

[قال الشافعي]: وأخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب أنه قال: لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي ولو أصدقها سوطا حلت له، أخبرنا ابن أبي يحيى قال: سألت ربيعة كم أقل الصداق؟ قال: ما تراضى به الأهلون فقلت: وإن كان درهما؟ قال: وإن كان نصف درهم قلت: وإن كان أقل قال: لو كان قبضة حنطة أو حبة حنطة قال: فهذا حديث ثابت عن النبي وخبر عن عمر وعن ابن المسيب وعن ربيعة وهذا عندكم كالإجماع، وقد سألت الدراوردي هل قال أحد بالمدينة لا يكون الصداق أقل من ربع دينار؟ فقال: لا والله ما علمت أحدا قاله قبل مالك وقال الدراوردي: أراه أخذه عن أبي حنيفة، قلت للشافعي: فقد فهمت ما ذكرت وما كنت أذهب في العلم إلا إلى قول أهل المدينة فقال الشافعي ما علمت أحدا انتحل قول أهل العلم من أهل المدينة أشد خلافا لأهل المدينة منكم ولو شئت أن أعد عليكم ما أملا به ورقا كثيرا مما خالفتم فيه كثيرا من أهل المدينة عددتها عليكم وفيما ذكرت لك ما دلك على ما وراءه إن شاء الله، فقلت للشافعي: إن لنا كتابا قد صرنا إلى اتباعه وفيه ذكر أن الناس اجتمعوا وفيه الأمر المجتمع عليه عندنا وفيه الأمر عندنا.

[قال الشافعي]: فقد أوضحنا لكم ما يدلكم على أن ادعاء الإجماع بالمدينة وفي غيرها لا يجوز أن يكون وفي القول الذي ادعيتم فيه الإجماع اختلاف وأكثر ما قلتم الأمر المجتمع عليه مختلف فيه وإن شئتم مثلت لكم شيئا أجمع وأقصر وأحرى أن تحفظه مما فرغت منه قلت: فاذكر ذلك قال: تعرفون أنكم قلتم اجتمع الناس أن سجود القرآن أحد عشر ليس في المفصل منها شيء؟ قلت: نعم.

[قال الشافعي]: وقد رويتم عن أبي هريرة أنه سجد في: {إذا السماء انشقت} وأخبرهم أن النبي سجد فيها وأن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلمة مر القراء أن يسجدوا في: {إذا السماء انشقت} وأن عمر سجد في النجم قلت: نعم وإن عمر وابن عمر سجدا في سورة الحج سجدتين؟ قلت: نعم قال: فقد رويتم السجود في المفصل عن النبي وعمر وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز فمن الناس الذين أجمعوا على السجود دون المفصل وهؤلاء الأئمة الذين ينتهى إلى أقاويلهم ما حفظنا نحن وأنتم في كتابكم عن أحد إلا سجودا في المفصل ولو رواه عن رجل أو اثنين أو ثلاثة ما جاز أن يقول أجمع الناس وهم مختلفون قلت: فتقول أنت أجمع الناس أن المفصل فيه سجود؟ قال: لا أقول اجتمعوا ولكن أعزي ذلك إلى من قاله وذلك الصدق ولا أدعي الإجماع إلا حيث لا يدفع أحد أنه إجماع أفترى قولكم اجتمع الناس أن سجود القرآن إحدى عشرة ليس في المفصل منها شيء يصح لكم أبدا قلت: فعلى أي شيء أكثر الفقهاء؟ قال: على أن في المفصل سجودا وأكثر أصحابنا على أن في سورة الحج سجدتين وهم يروون ذلك عن عمر وابن عمر وهذا مما أدخل في قوله اجتمع الناس لأنكم لا تعدون في الحج إلا سجدة وتزعمون أن الناس اجتمعوا على ذلك فأي الناس يجتمعون وهو يروي عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في الحج سجدتين أوتعرفون أنكم احتججتم في اليمين مع الشاهد على من خالفه وقد احتجوا عليكم بالقرآن فقلتم: أرأيتم الرجل يدعي على الرجل الحق أليس يحلف له، فإن لم يحلف رد اليمين على المدعي فحلف وأخذ حقه وقلتم: هذا ما لا شك فيه عند أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فإذا أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد، وأنه ليكتفي من هذا بثبوت السنة ولكن الإنسان يجب أن يعرف وجه الصواب. فهذا تبيان ما أشكل من ذلك إن شاء الله تعالى قال: بلى وهكذا نقول.

[قال الشافعي]: أفتعرفون الذين خالفوكم في اليمن مع الشاهد يقولون بما قلتم؟ قلت: ماذا؟ قال: أتعرفونهم يحلفون المدعى عليه، فإن نكل رد اليمين على المدعي فإن حلف أخذ حقه؟ قلت لا:

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وأنتم تعلمون أنهم لا يردون اليمين أبدا وأنهم يزعمون أن رد اليمين خطأ وأن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين أخذ منه الحق؟ قلت: بلى قال: فقد رويتم عليهم ما لا يقولون قلت: نعم ولكن لعله زلل.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أو يجوز لزلل في الرواية عن الناس ثم عن الناس كافة وإن جاز الزلل في الأكثر جاز في الأقل وفيما قلتم المجتمع عليه وقولكم المجتمع عليه أكثر من هذا الزلل لأنكم إذا زللتم في أن ترووا عن الناس عامة فعلى أهل المدينة لأنهم أقل من الناس كلهم.

[قال الشافعي]: وقولكم في اليمين مع الشاهد نكتفي منها بثبوت السنة حجة عليكم وأنتم لا تروون فيها إلا حديث جعفر عن أبيه منقطعا ولا تروون فيها حديثا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله والزهري وعروة ينكرانها بالمدينة وعطاء ينكرها بمكة فإن كانت تثبت السنة فلن يعمل بهذا أصحاب النبي وأنتم لا تحفظون أن أحدا من أصحاب النبي عمل باليمين مع الشاهد فإن كنتم ثبتموها بإجماع التابعين بالمدينة فقد اختلفوا فيها وإن كنتم ثبتموها بخبر منقطع كان الخبر المتصل أولى أن نثبتها به قلت فأنت تثبتها قال: من غير الطريق الذي ثبتموها بحديث متصل عن النبي لا يعمل به ولا إجماع ولو لم تثبت إلا بعمل وإجماع كان بعيدا من أن تثبت وهم يحتجون عليها بقرآن وسنة.

[قال الشافعي]: وزعمت أن ما أشكل فيما احتججتم به مما رويتم على الناس أنهم في البلدان لا يخالفون فيه والذين يخالفونكم في اليمين مع الشاهد يقولون: نحن أعطينا بالنكول عن اليمين فبالسنة أعطينا ليس في القرآن ذكر يمين ولا نكول عنها وهذا سنة غير القرآن وغير الشهادات زعمنا أن القرآن يدل على أن لا يعطى أحد من جهة الشهادات إلا بشاهدين أو شاهد وامرأتين والنكول ليس في معنى الشهادات والذي احتججتم به عليهم ليست عليهم فيه حجة والله المستعان إنما الحجة عليهم في غير ما احتججتم به وإذا احتججتم بغير حجة فهو إشكال ما بان من الحجة لا يبان ما أشكل منها.

[قال الشافعي]: أخبرنا الثقة عن عبد الله بن الحارث إن لم أكن سمعته من عبد الله عن مالك بن أنس عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان قضيا في الملطاة بنصف دية الموضحة.

[قال الشافعي]: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الثوري عن يزيد بن قسيط عن ابن المسيب عن عمر وعثمان مثله أو مثل معناه.

[قال الشافعي]: وأخبرني من سمع ابن نافع يذكر عن مالك بهذا الإسناد مثله.

[قال الشافعي]: وقرأنا على مالك أنا لم نعلم أحدا من الأئمة في القديم ولا في الحديث أفتى فيما دون الموضحة بشيء.

[قال الشافعي]: فنفيتم أن يكون أحد من الأئمة في قديم أو حديث قضى دون الموضحة بشيء وأنتم والله يغفر لنا ولكم تروون عن إمامين عظيمين من المسلمين عمر وعثمان أنهما قضيا فيما دون الموضحة بشيء موقت ولست أعرف لمن قال: هذا مع روايته وجها ذهب إليه والله المستعان وما عليه أن يسكت عن رواية ما روى من هذا أو إذا رواه فلم يكن عنده كما رواه أن يتركه وذلك كثير في كتابه ولا ينبغي أن يكون علم ما قد أخبر أنه علمه أرأيت لو وجد كل وال من الدنيا شيئا ترك يقضي فيما دون الموضحة بشيء كان جائزا له أن يقول لم نعلم أحدا من الأئمة قضى فيها بشيء وقد روي عن إمامين عظيمين من أئمة المسلمين أنهما قضيا مع أنه لم يرو عن أحد من الناس إمام ولا أمير ترك أن قضى فيما دون الموضحة بشيء ولا نجد وقد روينا أن زيد بن ثابت قد قضى فيما دون الموضحة حتى في الدامية فإن قال: رويت فيه حديثا واحدا أفرأيت جميع ما ثبت مما أخذ به إنما روى فيه حديثا واحدا هل يستقيم أن يكون يثبت بحديث واحد فلم يكن له أن يقول ما علمنا أو لا يثبت بحديث واحد فينبغي أن تدع عامة ما رويت وثبت من حديث واحد قال سألت الشافعي من أي شيء يجب الوضوء؟ قال: من أن ينام الرجل مضطجعا أو يحدث من ذكر أو دبر أو يقبل امرأته أو يلمسها أو. يمس ذكره قلت فهل قال: قائل ذلك.

[قال الشافعي]: نعم قد قرأنا ذلك على صاحبنا والله يغفر لنا وله قلت ونحن نقوله.

[قال الشافعي]: إنكم مجمعون أنكم توضئون من مس الذكر والمس والجس للمرأة فقلت: نعم قال: فتعلم من أهل الدنيا خلقا ينفي عن نفسه أن يوجب الوضوء إلا من ثلاث؟ فأنت توجب الوضوء من اثنين أو ثلاث سواء من اضطركم إلى أن تقولوا هذا الذي لا يوجد في قول أحد من بني آدم غيركم والله المستعان ثم تؤكدونه بأن تقولوا الأمر عندنا قال: فإن كان الأمر عندكم إجماع أهل المدينة فقد خالفتموهم وإن كانت كلمة لا معنى لها فلم تكلفتموها؟ فما علمت قبلك أحدا تكلم بها وما كلمت منكم أحدا قط فرأيته يعرف معناها وما ينبغي لكم أن تجهلوا إذا كان يوجد فيه ما ترون، والله أعلم.

كتاب الأم - كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما
كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما | باب ما جاء في الصدقات | باب في بيع الثمار | باب في الأقضية | كتاب العتق | باب صلاة الإمام إذا كان مريضا بالمأمومين جالسا وصلاتهم خلفه قياما | باب رفع اليدين في الصلاة | باب الجهر بآمين | باب سجود القرآن | باب الصلاة في الكعبة | باب ما جاء في الوتر بركعة واحدة | باب القراءة في العيدين والجمعة | باب الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء | باب إعادة المكتوبة مع الإمام | باب القراءة في المغرب | باب القراءة في الركعتين الأخيرتين | باب المستحاضة | باب الكلب يلغ في الإناء أو غيره | باب ما جاء في الجنائز | باب الصلاة على الميت في المسجد | باب في فوت الحج | باب الحجامة للمحرم | باب ما يقتل المحرم من الدواب | باب الشركة في البدنة | باب التمتع في الحج | باب الطيب للمحرم | باب في العمرى | باب ما جاء في العقيقة | باب في الحربي يسلم | باب في أهل دار الحرب | باب البيوع | باب متى يجب البيع | باب بيع البرنامج | باب بيع الثمر | باب ما جاء في ثمن الكلب | باب الزكاة | باب النكاح بولي | باب ما جاء في الصداق | باب في الرضاع | باب ما جاء في الولاء | باب الإفطار في شهر رمضان | باب في اللقطة | باب المسح على الخفين | باب ما جاء في الجهاد | باب ما جاء في الرقية | باب في الجهاد | باب فيمن أحيا أرضا مواتا | باب في الأمة تغر بنفسها | باب القضاء في المنبوذ | باب القضاء في الهبات | باب في إرخاء الستور | باب في القسامة والعقل | باب القضاء في الضرس والترقوة والضلع | باب في النكاح | باب ما جاء في المتعة | باب في المفقود | باب في الزكاة | باب في الصلاة | باب في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج | باب ما جاء في الصيد | باب الأمان لأهل دار الحرب | باب ما روى مالك عن عثمان بن عفان وخالفه في تخمير المحرم وجهه | باب ما جاء في خلاف عائشة في لغو اليمين | باب في بيع المدبر | باب ما جاء في لبس الخز | باب خلاف ابن عباس في البيوع | باب | باب خلاف زيد بن ثابت في الطلاق | باب في عين الأعور | باب خلاف عمر بن عبد العزيز في عشور أهل الذمة | باب خلاف سعيد وأبي بكر في الإيلاء | باب في سجود القرآن | باب غسل الجنابة | باب في الرعاف | باب الغسل بفضل الجنب والحائض | باب التيمم | باب الوتر | باب الصلاة بمنى والنافلة في السفر | باب القنوت | باب الصلاة قبل الفطر وبعده | باب نوم الجالس والمضطجع | باب إسراع المشي إلى الصلاة | باب رفع الأيدي في التكبير | باب وضع الأيدي في السجود | باب من الصيام | باب في الحج | باب الإهلال من دون الميقات | باب في الغدو من منى إلى عرفة | باب قطع التلبية | باب النكاح | باب التمليك | باب المتعة | باب الخلية والبرية | باب في بيع الحيوان | باب الكفارات | باب زكاة الفطر | باب في قطع العبد