كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب ما جاء في الوتر بركعة واحدة
سألت الشافعي عن الوتر أيجوز أن يوتر الرجل بواحدة ليس قبلها شيء؟ قال: نعم والذي أختار أن أصلي عشر ركعات ثم أوتر بواحدة فقلت للشافعي: فما الحجة في أن يجوز بواحدة فقال: الحجة فيه السنة والآثار.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى)؟
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: (أن رسول الله ﷺ كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة).
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص كان يوتر بركعة، أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يسلم من الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته قال وكان عثمان يحيي الليل بركعة هي وتره وأوتر معاوية بواحدة فقال: ابن عباس: أصاب به، فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا نحب لأحد أن يوتر بأقل من ثلاث ويسلم بين الركعة والركعتين من الوتر فقال: الشافعي لست أعرف لما تقول وجها والله المستعان إن كنتم ذهبتم إلى أنكم تكرهون أن يصلي ركعة منفردة فأنتم إذا صلى ركعتين قبلها ثم سلم تأمرونه بإفراد الركعة؛ لأن من سلم من الصلاة فقد فصلها مما بعدها ألا ترى أن الرجل يصلي النافلة ركعات فيسلم في كل ركعتين فيكون كل ركعتين يسلم منهما منقطعتين من الركعتين اللتين قبلهما وبعدهما، وأن السلام أفضل للفصل ألا ترى أن رجلا لو فاتته صلوات فقضاهن في مقام يفصل بينهن بسلام كانت كل صلاة غير الصلاة التي قبلها وبعدها لخروجه من كل صلاة بالسلام فإن كان إنما أردتم أنكم كرهتم أن يصلي واحدة؛ لأن النبي ﷺ صلى أكثر منها، فإنما نستحب أن يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة وإن كان أردتم أن النبي ﷺ قال: (صلاة الليل مثنى مثنى) فأقل مثنى أربع فصاعدا، وواحدة غير مثنى وقد أمر بواحدة في الوتر كما أمر بمثنى.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وقد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: (أن النبي ﷺ كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الآخرة منهن) فقلت للشافعي: فما معنى هذا؟ قال: هذه نافلة يسع أن نوتر بواحدة وأكثر ونختار ما وصفت من غير أن نضيق غيره وقولكم - والله يغفر لنا ولكم - لا يوافق سنة، ولا أثرا، ولا قياسا، ولا معقولا، قولكم خارج من كل شيء من هذا، وأقاويل الناس إما أن يقولوا: لا يوتر إلا بثلاث كما قال بعض المشرقيين ولا يسلم في واحدة منهن لئلا يكون الوتر واحدة وأنتم تأمرون بالسلام فيها فإذا أمرتم به فهي واحدة وإن قلتم كرهناه لأن النبي ﷺ لم يوتر بواحدة ليس قبلها شيء فلم يوتر النبي ﷺ بثلاث ليس قبلهن شيء وقد استحسنتم أن توتروا بثلاث.