[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولما (أمر رسول الله ﷺ الخثعمية بالحج عن أبيها) دلت سنة رسول الله ﷺ أن قول الله {من استطاع إليه سبيلا} على معنيين: أحدهما: أن يستطيعه بنفسه وماله والآخر أن يعجز عنه بنفسه بعارض كبر أو سقم أو فطرة خلقة، لا يقدر معها على الثبوت على المركب ويكون من يطيعه إذا أمره بالحج عنه، إما بشيء يعطيه إياه وهو واجد له، وإما بغير شيء، فيجب عليه أن يعطي إذا وجد، أو يأمر إن أطيع، وهذه إحدى الاستطاعتين، وسواء في هذا الرجل يسلم ولا يقدر على الثبوت على المركب أو الصبي يبلغ كذلك أو العبد يعتق كذلك، ويجب عليه إن قدر على الثبوت على المحمل بلا ضرر وكان واجدا له أو لمركب غيره، وإن لم يثبت على غيره، أن يركب المحمل أو ما أمكنه الثبوت عليه من المركب. وإن كان واحد من هؤلاء لا يجد مطيعا ولا مالا، فهو ممن لا يستطيع بالبدن ولا بالطاعة فلا حج عليه، وجماع الطاعة التي توجب الحج وتفريعها اثنان: أحدهما: أن يأمر فيطاع بلا مال، والآخر أن يجد مالا يستأجر به من يطيعه، فتكون إحدى الطاعتين، ولو تحامل فحج أجزأت عنه ورجوت أن يكون أعظم أجرا ممن يخف ذلك عليه، ولما أمر رسول الله ﷺ المرأة أن تحج عن أبيها إذ أسلم وهو لا يستمسك على الراحلة فدل ذلك على أن عليه الفرض إذا كان مستطيعا بغيره، إذا كان في هذه الحال، والميت أولى أن يجوز الحج عنه؛ لأنه في أكثر من معنى هذا الذي لو تكلف الحج بحال أجزأه، والميت لا يكون فيه تكلف أبدا.