[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: يجوز أن يهل الرجل بعمرة في السنة كلها يوم عرفة وأيام منى وغيرها من السنة إذا لم يكن حاجا ولم يطمع بإدراك الحج وإن طمع بإدراك الحج أحببت له أن يكون إهلاله بحج دون عمرة أو حج مع عمرة وإن لم يفعل واعتمر جازت العمرة وأجزأت عنه عمرة الإسلام وعمرة إن كان أوجبها على نفسه من نذر أو أوجبه تبرر أو اعتمر عن غيره.
[قال الشافعي]: فإن قال قائل وكيف يجوز أن تكون العمرة في أيام الحج؟ قيل قد أمر رسول الله ﷺ عائشة فأدخلت الحج على العمرة فوافت عرفة ومنى حاجة معتمرة والعمرة لها متقدمة وقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه هبار بن الأسود وأبا أيوب الأنصاري في يوم النحر وكان مهلا بحج أن يطوف ويسعى ويحلق ويحل فهذا عمل عمرة إن فاته الحج فإن أعظم الأيام حرمة أولاها أن ينسك فيها لله تعالى.
[قال الشافعي]: ولا وجه لان ينهى أحد أن يعتمر يوم عرفة ولا ليالي منى إلا أن يكون حاجا فلا يدخل العمرة على الحج ولا يعتمر حتى يكمل عمل الحج كله، لأنه معكوف بمنى على عمل من عمل الحج من الرمي والإقامة بمنى طاف للزيارة أو لم يطف، فإن اعتمر وهو في بقية من إحرام حجه أو خارجا من إحرام حجه وهو مقيم على عمل من عمل حجه فلا عمرة له ولا فدية عليه لأنه أهل بالعمرة في وقت لم يكن له أن يهل بها فيه.
[قال الشافعي]: والعمرة في السنة كلها فلا بأس بأن يعتمر الرجل في السنة مرارا، وهذا قول العامة من المكيين وأهل البلدان، غير أن قائلا من الحجازيين كره العمرة في السنة إلا مرة واحدة، وإذا كانت العمرة تصلح في كل شهر فلا تشبه الحج الذي لا يصلح إلا في يوم من شهر بعينه إن لم يدرك فيه الحج فات إلى قابل فلا يجوز أن تقاس عليه وهي تخالفه في هذا كله، فإن قال قائل: ما دل على ما وصفت؟ قيل له عائشة ممن لم يكن معه هدي وممن دخل في أمر النبي ﷺ أن يكون إحرامه عمرة فعركت فلم تقدر على الطواف للطمث فأمرها رسول الله ﷺ أن تهل بالحج فكانت قارنة وكانت عمرتها في ذي الحجة ثم سألته أن يعمرها فأعمرها في ذي الحجة فكانت هذه عمرتين في شهر فكيف ينكر أحد بعد أمر النبي ﷺ بعمرتين في شهر يزعم أن لا تكون في السنة إلا مرة؟ أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في كل شهر عمرة، أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين، مرة من ذي الحليفة ومرة من الجحفة، أخبرنا سفيان عن صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة أم المؤمنين زوج النبي ﷺ اعتمرت في سنة مرتين قال صدقة: فقلت هل عاب ذلك عليها أحد؟ فقال سبحان الله أم المؤمنين فاستحييت، أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع قال اعتمر عبد الله بن عمر أعواما في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام، أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن حبيب المعلم قال سئل عطاء عن العمرة في كل شهر؟ قال نعم.
[قال الشافعي]: وفيما وصفت من عمرة عائشة بأمر النبي ﷺ وغيرها في ذي الحجة وفي أنه اعتمر في أشهر الحج بيان أن العمرة تجوز في زمان الحج وغيره وإذا جازت في شهر مرتين بأمر النبي ﷺ زايلت معنى الحج الذي لا يكون في السنة إلا مرة واحدة وصلحت في كل شهر، وحين أراده صاحبه إلا أن يكون محرما بغيرها من حج أو عمرة فلا يدخل إحراما بغيره عليه قبل أن يكمله.
[قال الشافعي]: وإذا أهل رجل بعمرة كان له أن يدخل الحج على العمرة ما لم يدخل في الطواف بالبيت فإذا دخل فيه فليس له أن يدخل عليه الحج ولو فعل لم يلزمه حج لأنه يعمل في الخروج من عمرته في وقت ليس له إدخال الحج فيه على عمل العمرة ولو كان إهلاله بحج لم يكن له أن يدخل عليه العمرة ولو فعل لم يكن مهلا بعمرة ولا عليه فدية.
[قال]: ومن لم يحج اعتمر في السنة كلها ومن حج لم يدخل العمرة على الحج حتى يكمل عمل الحج وهو آخر أيام التشريق إن أقام إلى آخرها وإن نفر النفر الأول فاعتمر يومئذ لزمته العمرة لأنه لم يبق عليه للحج عمل ولو أخره كان أحب إلي ولو أهل بالعمرة في يوم النفر الأول ولم ينفر كان إهلاله باطلا لأنه معكوف على عمل من عمل الحج فلا يخرج منه إلا بكماله والخروج منه.
قال: وخالفنا بعض حجازيينا فقال لا يعتمر في السنة إلا مرة، وهذا خلاف سنة رسول الله ﷺ فقد أعمر عائشة في شهر واحد من سنة واحدة مرتين وخلاف فعل عائشة نفسها وعلي بن أبي طالب وابن عمر وأنس رضي الله عنهم وعوام الناس وأصل قوله إن كان قوله: أن العمرة تصلح في كل السنة فكيف قاسها بالحج الذي لا يصلح إلا في يوم من السنة؟ وأي وقت وقت للعمرة من الشهور؟ فإن قال: أي وقت شاء، فكيف لم يعتمر في أي وقت شاء مرارا، وقول العامة على ما قلنا.