[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ومن قتل صيدا فحكم عليه ثم عاد لآخر قال يحكم عليه كلما عاد أبدا فإن قال قائل ومن أين قلته؟ قلت إذا لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الأول لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الثاني وكل ما بعده كما يكون عليه لو قتل نفسا ديته وأنفسا بعده دية دية، في كل نفس وكما يكون عليه لو أفسد متاعا لأحد ثم أفسد متاعا لآخر ثم أفسد متاعا كثيرا بعده قيمة ما أفسد في كل حال فإن قال فما قول الله - عز وجل - {ومن عاد فينتقم الله منه} ففي هذا دلالة على أنه لا يحكم عليه؟
[قال الشافعي]: ما يبلغ علمي أن فيه دلالة على ذلك فإن قال قائل فما معناه؟ قيل الله أعلم ما معناه أما الذي يشبه معناه - والله أعلم - فأن يجب عليه بالعود النقمة وقد تكون النقمة بوجوه، في الدنيا المال وفي الآخرة النار. فإن قال فهل تجد ما يدل على ما وصفت في غير هذه الآية أو على ما يشبهه؟ قيل: نعم قال الله - تعالى {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} وجعل الله القتل على الكفار والقتل على القاتل عمدا وسن رسول الله ﷺ العفو عن القاتل بالدية إن شاء ولي المقتول وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم النقمة بمضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم الحدود دل هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقط حكم غيرها في الدنيا قال الله - تبارك وتعالى -: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} فلم يختلف الناس في أنهما كلما زنيا بعد الحد جلدا فكان الحق عليهم في الزنا الآخر مثله في الزنا الأول ولو انبغى أن يفرقا كان في الزنا الآخر والقتل الآخر أولى ولم يطرح، فإن قال أفرأيت من طرحه على معنى أنه عمد مأثم فأول ما قتل من الصيد عمدا يأثم به فكيف حكم عليه؟ فقلت حكم الله - تعالى - عليه فيه، ولو كان كما تقول كان أولى أن لا يعرض له في عمد المأثم فإذا كان الابتداء على أنه عمد مأثم فالثاني مثله فإن قال فهل قال هذا معك أحد غيرك؟ قيل: نعم. فإن قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد عن محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم أنه قال في المحرم يقتل الصيد عمدا: يحكم عليه كلما قتل فإن قال قائل فما قول الله - عز وجل - {عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه} قيل - الله أعلم - بمعنى ما أراد فأما عطاء بن أبي رباح فيذهب إلى {عفا الله عما سلف} في الجاهلية ومن عاد في الإسلام بعد التحريم لقتل صيد مرة فينتقم الله منه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء في قول الله - عز وجل - {عفا الله عما سلف} قال عفا الله عما كان في الجاهلية قلت وقوله {ومن عاد فينتقم الله منه} قال ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وعليه في ذلك الكفارة زيادة قال وإن عمد فعليه الكفارة؟ قلت له: هل في العود من حد يعلم؟ قال لا. قلت: أفترى حقا على الإمام أن يعاقبه فيه: قال: لا، ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله - تعالى - ويفتدي.
[قال الشافعي]: ولا يعاقبه الإمام فيه؛ لأن هذا ذنب جعلت عقوبته فديته إلا أن يزعم أنه يأتي ذلك عامدا مستخفا.