كتاب الأم/كتاب الحج/باب الحج بغير نية

ملاحظات: باب الحج بغير نية


[قال الشافعي]: رحمه الله أحب أن ينوي الرجل الحج والعمرة عند دخوله فيهما كما أحب له في كل واجب عليه غيرهما، فإن أهل بالحج ولم يكن حج حجة الإسلام ينوي أن يكون تطوعا أو ينوي أن يكون عن غيره أو أحرم فقال: إحرامي كإحرام فلان لرجل غائب عنه فكان فلان مهلا بالحج كان في هذا كله حاجا وأجزأ عنه من حجة الإسلام، فإن قال قائل ما دل على ما وصفت؟ قلت فإن مسلم بن خالد وغيره أخبرنا عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء أنه سمع جابرا يقول: (قدم علي رضي الله عنه من سعايته فقال له النبي بم أهللت يا علي؟ قال: بما أهل به النبي قال فأهد وامكث حراما كما أنت قال: وأهدى له علي هديا).

[قال الشافعي]: أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وهو يحدث عن حجة النبي قال (خرجنا مع النبي حتى إذا أتى البيداء فنظرت مد بصري من بين راكب وراجل من بين يديه وعن يمينه وعن شماله ومن ورائه كلهم يريد أن يأتم به يلتمس أن يقول كما يقول رسول الله لا ينوي إلا الحج ولا يعرف غيره ولا يعرف العمرة فلما طفنا فكنا عند المروة قال: أيها الناس من لم يكن معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت فحل من لم يكن معه هدي)، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية بنت شيبة عن (أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع النبي فقال النبي : من كان معه هدي فليقم على إحرامه، ومن لم يكن معه هدي فليحلل ولم يكن معي هدي فحللت، وكان مع الزبير هدي فلم يحلل)، أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن (عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا أنه الحج فلما كنا بسرف أو قريبا منها أمر النبي من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت ما هذا؟ قالوا ذبح رسول الله عن نسائه)، قال يحيى فحدثت به القاسم بن محمد فقال: جاءتك والله بالحديث على وجهه، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة والقاسم مثل معنى حديث سفيان لا يخالف معناه، أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن حمد عن أبيه عن (عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله في حجته لا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل علي رسول الله وأنا أبكي فقال مالك أنفست: فقلت: نعم فقال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت قالت وضحى رسول الله عن نسائه بالبقر) أخبرنا سفيان قال حدثنا ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول: (خرج رسول الله من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولكنني لبدت رأسي وسقت هديي فليس لي محل دون محل هديي فقام إليه سراقة بن مالك فقال يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد؟ فقال: لا، بل لأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال ودخل علي من اليمن فقال له النبي : بم أهللت؟ فقال أحدهما عن طاووس: إهلال النبي وقال الآخر: لبيك حجة النبي [قال الشافعي]: فخرج رسول الله وأصحابه مهلين ينتظرون القضاء فعقدوا الإحرام ليس على حج ولا عمرة ولا قران ينتظرون القضاء، فنزل القضاء على النبي فأمر من لا هدي معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدي أن يجعله حجا).

[قال الشافعي]: ولبى علي وأبو موسى الأشعري باليمن وقالا في تلبيتهما " إهلال كإهلال رسول الله فأمرهما بالمقام على إحرامهما، فدل هذا على الفرق بين الإحرام والصلاة؛ لأن الصلاة لا تجزي عن أحد إلا بأن ينوي فريضة بعينها وكذلك الصوم، ويجزئ بالسنة الإحرام، فلما دلت السنة على أنه يجوز للمرء أن يهل، وإن لم ينو حجا بعينه ويحرم بإحرام الرجل لا يعرفه دل على أنه إذا أهل متطوعا ولم يحج حجة الفريضة كانت حجة الفريضة، ولما كان هذا كان إذا أهل بالحج عن غيره ولم يهلل بالحج عن نفسه كانت الحجة عن نفسه، وكان هذا معقولا في السنة مكتفى به عن غيره، وقد ذكرت فيه حديثا منقطعا عن النبي ورأيا لابن عباس رضي الله عنهما متصلا.

قال: ولا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حر بالغ مسلم، ولا يجوز أن يحج عنه عبد بالغ ولا حر غير بالغ إذا كان حجهما لأنفسهما لا يجزئ عنهما من حجة الإسلام لم يجز عن غيرهما والله أعلم.

قال: وأمر الحج والعمرة سواء، فيعتمر عن الرجل كما يحج عنه، ولا يجزيه أن يعتمر عنه إلا من اعتمر عن نفسه من بالغ حر مسلم.

قال: ولو أن رجلا اعتمر عن نفسه ولم يحج فأمره رجل يحج عنه ويعتمر فحج عنه واعتمر أجزأت المعتمر عنه العمرة ولم تجز عنه الحجة، وهكذا لو حج عن نفسه ولم يعتمر فحج عن غيره واعتمر، أجزأت المحجوج عنه الحجة ولم تجز عنه العمرة، ويجزيه أي النسكين كان العامل عمله عن نفسه ثم عمله عنه، ولا يجزيه النسك الذي لم يعمله العامل عن نفسه. وإذا كان ممن له أن يبعث من يحج عنه ويعتمر أجزأه أن يبعث رجلا واحدا يقرن عنه وأجزأه أن يبعث اثنين مفترقين يحج هذا عنه ويعتمر هذا عنه وكذلك امرأتين أو امرأة ورجلا.

قال: وهذا في فرض الحج والعمرة كما وصفت يجزي رجلا أن يحج عن رجل وقد قيل إذا أجزأ في الفرض أجزأ أن يتنفل بالحج عنه وقد قيل يحج الفرض فقط بالسنة ولا يحج عنه نافلة ولا يعتمر نافلة.

[قال الشافعي]: ومن قال يحج المرء عن المرء متطوعا قال: إذا كان أصل الحج مفارقا للصلاة والصوم، وكان المرء يعمل عن المرء الحج فيجزي عنه بعد موته وفي الحال التي لا يطيق فيها الحج، فكذلك يعمله عنه متطوعا، وهكذا كل شيء من أمر النسك، أخبرنا ابن عيينة عن يزيد مولى عطاء قال: ربما قال لي عطاء: طف عني.

[قال الشافعي]: وقد يحتمل أن يقال لا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حجة الإسلام وعمرته، ومن قال هذا قال الدلالة عليه أن النبي إنما أمر بالحج عن الرجل في الحال التي لا يقدر فيها المحجوج عنه أن يحج عن نفسه، وإني لا أعلم مخالفا في أن رجلا لو حج عن رجل يقدر على الحج لا يجزي عنه من حجة الإسلام، فإذا كان هذا عندهم هكذا دل على أنه إنما عذر في حال الضرورة بتأدية الفرض وما جاز في الضرورة دون غيرها، لم يجز، ما لم يكن ضرورة مثله.

[قال الشافعي]: ولو أهل رجل بحج ففاته فحل بطواف البيت وسعى بين الصفا والمروة لم يجز عنه من حجة الإسلام؛ لأنه لم يدركها ولم تجز عنه من عمرة الإسلام ولا عمرة نذر عليه؛ لأنها ليست بعمرة، وإنما كان حجا لم يجز له أن يقيم عليه لوجهين: أحدهما: أنه حج سنة فلا يدخل في حج سنة غيرها، والآخر أنه ليس له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج، ولو أهل بالحج في غير أشهر الحج كان إهلاله عمرة يجزئ عنه من عمرة الإسلام؛ لأنه لا وجه للإهلال إلا بحج أو عمرة، فلما أهل في وقت كانت العمرة فيه مباحة والحج محظورا كان مهلا بعمرة وليس هذا كالمهل بالحج والحج مباح له فيفوته؛ لأن ابتداء ذلك الحج كان حجا، وابتداء هذا الحج كان عمرة، وإذا أجزأت العمرة بلا نية لها أنها عمرة أجزأت إذا أهل بحج وكان إهلاله عمرة.

[قال الشافعي]: والعمرة لا تفوت من قبل أنها تصلح في كل شهر والحج يفوت من قبل أنه لا يصلح إلا في وقت واحد من السنة، فلو أن رجلا أهل بالعمرة في عام فحبسه مرض أو خطأ عدد أو غير ذلك ما خلا العدو أقام حراما حتى يحل متى حل، ولم تفته العمرة متى وصل إلى البيت فعمل عملها.

[قال]: ولو حج رجل عن رجل بلا إجارة ثم أراد الإجارة لم يكن له وكان متطوعا عنه وأجزأت عنه حجته.

[قال]: ولو استأجر رجل رجلا يعتمر عنه في شهر فاعتمر في غيره أو على أن يحج عنه في سنة فحج في غيرها كانت له الإجارة وكان مسيئا بما فعل.

[قال]: ولا بأس بالإجارة على الحج وعلى العمرة وعلى الخير كله، وهي على عمل الخير أجوز منها على ما ليس بخير ولا بر من المباح، فإن قال قائل: ما الحجة في جواز الإجارة على تعليم القرآن والخير؟ قيل أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي (أن رسول الله زوج رجلا امرأة بسورة من القرآن).

قال: والنكاح لا يجوز إلا بما له قيمة من الإجارات والأثمان.

كتاب الأم - كتاب الحج
باب فرض الحج على من وجب عليه الحج | باب تفريع حج الصبي والمملوك | الإذن للعبد | باب كيف الاستطاعة إلى الحج | باب الخلاف في الحج عن الميت | باب الحال التي يجب فيها الحج | باب الاستسلاف للحج | باب حج المرأة والعبد | الخلاف في هذا الباب | باب المدة التي يلزم فيها الحج ولا يلزم | باب الاستطاعة بنفسه وغيره | باب الحال التي يجوز أن يحج فيها الرجل عن غيره | باب من ليس له أن يحج عن غيره | باب الإجارة على الحج | باب من أين نفقة من مات ولم يحج ؟ | باب الحج بغير نية | باب الوصية بالحج | باب ما يؤدى عن الرجل البالغ الحج | باب حج الصبي يبلغ والمملوك يعتق والذمي يسلم | باب الرجل ينذر الحج أو العمرة | باب الخلاف في هذا الباب | باب هل تجب العمرة وجوب الحج ؟ | باب الوقت الذي تجوز فيه العمرة | باب من أهل بحجتين أو عمرتين | باب الخلاف فيمن أهل بحجتين أو عمرتين | في المواقيت | باب تفريع المواقيت | باب دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة | باب ميقات العمرة مع الحج | باب الغسل للإهلال | باب الغسل بعد الإحرام | باب دخول المحرم الحمام | باب الموضع الذي يستحب فيه الغسل | باب ما يلبس المحرم من الثياب | باب ما تلبس المرأة من الثياب | باب لبس المنطقة والسيف للمحرم | باب الطيب للإحرام | باب لبس المحرم وطيبه جاهلا | باب الوقت الذي يجوز فيه الحج والعمرة | باب هل يسمي الحج أو العمرة عند الإهلال أو تكفي النية منهما ؟ | باب كيف التلبية ؟ | باب رفع الصوت بالتلبية | باب أين يستحب لزوم التلبية ؟ | باب الخلاف في رفع الصوت بالتلبية في المساجد | باب التلبية في كل حال | باب ما يستحب من القول في أثر التلبية | باب الاستثناء في الحج | باب الإحصار بالعدو | باب الإحصار بغير حبس العدو | باب الإحصار بالمرض | باب فوت الحج بلا حصر عدو ولا مرض ولا غلبة على العقل | باب هدي الذي يفوته الحج | باب الغسل لدخول مكة | باب القول عند رؤية البيت | باب ما جاء في تعجيل الطواف بالبيت حين يدخل مكة | باب من أين يبدأ بالطواف ؟ | باب ما يقال عند استلام الركن | باب ما يفتتح به الطواف وما يستلم من الأركان | الركنان اللذان يليان الحجر | باب استحباب الاستلام في الوتر | الاستلام في الزحام | القول في الطواف | باب إقلال الكلام في الطواف | باب الاستراحة في الطواف | الطواف راكبا | باب الركوب من العلة في الطواف | باب الاضطباع | باب في الطواف بالراكب مريضا أو صبيا والراكب على الدابة | باب ليس على النساء سعي | باب لا يقال شوط ولا دور | باب كمال الطواف | باب ما جاء في موضع الطواف | باب في حج الصبي | باب في الطواف متى يجزئه ومتى لا يجزئه ؟ | باب الخلاف في الطواف على غير طهارة | باب كمال عمل الطواف | باب الشك في الطواف | باب الطواف في الثوب النجس والرعاف والحدث والبناء على الطواف | باب الطواف بعد عرفة | باب ترك الحائض الوداع | باب تحريم الصيد | باب أصل ما يحل للمحرم قتله من الوحش ويحرم عليه | باب قتل الصيد خطأ | باب من عاد لقتل الصيد | باب أين محل هدي الصيد ؟ | باب كيف يعدل الصيام | باب الخلاف في عدل الصيام والطعام | باب هل لمن أصاب الصيد أن يفديه بغير النعم ؟ | الإعواز من هدي المتعة ووقته | باب الحال التي يكون المرء فيها معوزا بما لزمه من فدية | فدية النعام | باب بيض النعامة يصيبه المحرم | الخلاف في بيض النعام | باب بقر الوحش وحمار الوحش والثيتل والوعل | باب الضبع | باب في الغزال | باب الأرنب | باب في اليربوع | باب الثعلب | باب الضب | باب الوبر | باب أم حبين | باب دواب الصيد التي لم تسم | فدية الطائر يصيبه المحرم | فدية الحمام | في الجراد | الخلاف في حمام مكة | بيض الحمام | الطير غير الحمام | باب الجراد | بيض الجراد | باب العلل فيما أخذ من الصيد لغير قتله | نتف ريش الطائر | الجنادب والكدم | قتل القمل | المحرم يقتل الصيد الصغير أو الناقص | ما يتوالد في أيدي الناس من الصيد وأهل بالقرى