البداية والنهاية/الجزء السادس/حديث الحمرة وهو طائر مشهور
قال أبو داود الطيالسي: ثنا المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فدخل رجل غيطة فأخرج بيضة حمرة فجاءت الحمرة ترف على رسول الله وأصحابه فقال: « أيكم فجع هذه؟ »
فقال رجل من القوم: أنا أخذت بيضتها.
فقال: « رده رده رحمة بها ».
وروى البيهقي عن الحاكم وغيرهم عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، ثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله في سفر فمررنا بشجرة فيها فرخا حمرة فأخذناهما.
قال: فجاءت الحمرة إلى رسول الله ﷺ وهي تفرش.
فقال: « من فجع هذه بفرخيها؟ »
قال: فقلنا: نحن.
قال: « ردوهما ».
فرددناهما إلى موضعهما فلم ترجع.
حديث آخر في ذلك وفيه غرابة:
قال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن الحسين بن داود العلوي قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأموي، ثنا محمد بن عبيد بن عتبة الكندي، ثنا محمد بن الصلت، ثنا حبان، ثنا أبو سعيد البقال عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله ﷺ إذا أراد الحاجة أبعد.
قال: فذهب يوما فقعد تحت سمرة ونزع خفيه.
قال: ولبس أحدهما فجاء طير فأخذ الخف الآخر فحلق به في السماء فانسلت منه أسود سالح.
فقال رسول الله ﷺ: « هذه كرامة أكرمني الله بها، اللهم إني أعوذ بك من شر ما مشى على رجليه، ومن شر ما يمشي على بطنه ».
حديث آخر:
قال البخاري: ثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ حدثني أبي عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك أن رجلين من أصحاب النبي ﷺ خرجا من عند النبي ﷺ ومعهما مثل المصباحين بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله.
وقال عبد الرزاق: أنا معمر عن ثابت، عن أنس أن أسيد بن حضير الأنصاري ورجلا آخر من الأنصار تحدثا عند النبي ﷺ في حاجة لهما حتى ذهب من الليل ساعة وهي ليلة شديدة الظلمة حتى خرجا من عند رسول الله ﷺ ينقلبان وبيد كل واحد منهما عصية، فأضاءت عصى أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه حتى مشى في ضوئها حتى أتى كل واحد منهما ضوء عصاه حتى بلغ أهله.
وقد علقه البخاري فقال: وقال معمر: فذكره.
وعلقه البخاري أيضا عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن عباد بن بشر، وأسيد بن حضير خرجا من عند النبي ﷺ فذكر مثله.
وقد رواه النسائي عن أبي بكر ابن نافع، عن بشر بن أسيد.
وأسنده البيهقي من طريق يزيد بن هارون كلاهما عن حماد بن سلمة به.
حديث آخر:
قال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهاني، ثنا أحمد بن مهران، ثنا عبيد الله بن موسى، أنا كامل بن العلاء عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كنا نصلي مع رسول الله ﷺ العشاء وكان يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا فإذا عاد عادا، فلما صلى جعل واحدا ههنا وواحدا ههنا، فجئته فقلت: يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما؟
قال: « لا » فبرقت برقة.
فقال: « إلحقا بأمكما » فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا.
حديث آخر:
قال البخاري في التاريخ: حدثني أحمد بن الحجاج، ثنا سفيان بن حمزة عن كثير بن يزيد، عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله ﷺ فتفرقنا في ليلة ظلماء دحمسة فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم، وإن أصابعي لتنير.
ورواه البيهقي من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي عن سفيان بن حمزة.
ورواه الطبراني من حديث إبراهيم ابن حمزة الزهري، عن سفيان بن حمزة به.
حديث آخر:
قال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو محمد بن أحمد بن عبد الله المدني، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو كريب، ثنا يزيد بن الحباب، ثنا عبد الحميد ابن أبي عبس الأنصاري من بني حارثة، أخبرني ميمون بن زيد ابن أبي عبس، أخبرني أبي أن أبا عبس كان يصلي مع رسول الله ﷺ الصلوات ثم يرجع إلى بني حارثة، فخرج في ليلة مظلمة مطيرة فنور له في عصاه حتى دخل دار بني حارثة.
قال البيهقي: أبو عبس ممن شهد بدرا.
قلت: وروينا عن يزيد بن الأسود - وهو من التابعين -: أنه كان يشهد الصلاة بجامع دمشق من جسرين فربما أضاءت له إبهام قدمه في الليلة المظلمة.
وقد قدمنا في قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي بمكة قبل الهجرة، وأنه سأل رسول الله ﷺ آية يدعو قومه بها، فلما ذهب إليهم وانهبط من الثنية أضاء له نور بين عينيه.
فقال: اللهم لا يقولوا هو مثلة فحوله الله إلى طرف سوطه حتى جعلوا يرونه مثل القنديل.
حديث آخر فيه كرامة لتميم الداري:
روى الحافظ البيهقي من حديث عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن معاوية بن حرمل قال: خرجت نار بالحرة فجاء عمر إلى تميم الداري فقال: قم إلى هذه النار.
قال: يا أمير المؤمنين ومن أنا؟ وما أنا؟
قال: فلم يزل به حتى قام معه.
قال: وتبعتهما، فانطلقا إلى النار فجعل تميم يحوشها بيديه حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها.
قال: فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير، قالها ثلاثا.
حديث فيه كرامة لولي من هذه الأمة:
وهي معدودة من المعجزات لأن كل ما يثبت لولي فهو معجزة لنبيه.
قال الحسن بن عروة: ثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن أبي سبرة النخعي قال: أقبل رجل من اليمن فلما كان ببعض الطريق نفق حماره، فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال: اللهم إني جئت من الدفينة مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك، وأنا أشهد أنك تحيي الموتى، وتبعث من في القبور، لا تجعل لأحد علي اليوم منة أطلب إليك اليوم أن تبعث حماري، فقام الحمار ينفض أذنيه.
قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة.
قال البيهقي: وكذلك رواه محمد بن يحيى الذهلي وغيره عن محمد بن عبيد، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن الشعبي وكأنه عند إسماعيل عنهما، والله أعلم.
طريق أخرى:
قال أبو بكر ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت: حدثنا إسحاق بن إسماعيل وأحمد بن بجير وغيرهما قالوا: ثنا محمد بن عبيد عن إسماعيل ابن أبي خالد عن الشعبي أن قوما أقبلوا من اليمن متطوعين في سبيل الله، فنفق حمار رجل منهم فأرادوه أن ينطلق معهم فأبى، فقام فتوضأ وصلى ثم قال: اللهم إني جئت من الدفينة مجاهدا في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، وإني أشهد أنك تحيي الموتى، وتبعث من في القبور، لا تجعل لأحد علي منة فإذا أطلب إليك أن تبعث لي حماري، ثم قام إلى الحمار فضربه فقام الحمار ينفض أذنيه، فأسرجه وألجمه، ثم ركبه وأجراه فلحق بأصحابه.
فقالوا له: ما شأنك؟
قال: شأني أن الله بعث حماري.
قال الشعبي: فأنا رأيت الحمار بيع أو يباع في الكناسة - يعني: بالكوفة -.
قال ابن أبي الدنيا: وأخبرني العباس بن هشام عن أبيه، عن جده، عن مسلم بن عبد الله بن شريك النخعي أن صاحب الحمار رجل من النخع يقال له: نباتة بن يزيد، خرج في زمن عمر غازيا حتى إذا كان يلقى عميرة نفق حماره فذكر القصة غير أنه قال: فباعه بعد الكناسة.
فقيل له: تبيع حمارك وقد أحياه الله لك؟
قال: فكيف أصنع؟
وقد قال رجل من رهطه ثلاثة أبيات فحفظت هذا البيت:
ومنا الذي أحيا الإله حماره * وقد مات منه كل عضو ومفصل
وقد ذكرنا في باب رضاعه عليه السلام ما كان من حمارة حليمة السعدية وكيف كانت تسبق الركب في رجوعها لما ركب معها عليها رسول الله ﷺ وهو رضيع وقد كانت أدمت بالركب في مسيرهم إلى مكة، وكذلك ظهرت بركته عليهم في شارفهم - وهي الناقة التي كانوا يحلبونها - وشياههم وسمنهم، وكثرة ألبانها - صلوات الله وسلامه عليه -.
قصة أخرى مع قصة العلاء بن الحضرمي:
قال أبو بكر ابن أبي الدنيا: حدثني خالد بن خداش بن عجلان المهلبي وإسماعيل بن بشار قالا: ثنا صالح المزي عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: عدنا شابا من الأنصار فما كان بأسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب.
وقال بعضنا لأمه: احتسبيه.
قالت: وقد مات؟
قلنا: نعم، فمدت يديها إلى السماء وقالت: اللهم إني آمنت بك وهاجرت إلى رسولك فإذا نزلت بي شدة دعوتك ففرجتها، فأسألك اللهم لا تحمل علي هذه المصيبة.
قال: فكشف الثوب عن وجهه فما برحنا حتى أكلنا وأكل معنا.
وقد رواه البيهقي عن أبي سعيد الماليني، عن ابن عدي، عن محمد بن طاهر بن أبي الدميك، عن عبد الله بن عائشة، عن صالح بن بشير المزني - أحد زهاد البصرة وعبادها مع لين في حديثه - عن أنس فذكر القصة.
وفيه أن أم السائب كانت عجوزا عمياء.
قال البيهقي: وقد روي من وجه آخر مرسل - يعني: فيه انقطاع - عن ابن عدي وأنس بن مالك، ثم ساقه من طريق عيسى بن يونس عن عبد الله بن عون، عن أنس قال: أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كانت في بني إسرائيل لما تقاسمها الأمم.
قلنا: ما هي يا أبا حمزة؟
قال: كنا في الصفة عند رسول الله - ﷺ - فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ فأضاف المرأة إلى النساء، وأضاف ابنها إلينا فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض، فغمضه النبي - ﷺ - وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسله.
قال: « يا أنس إئت أمه فأعلمها » فأعلمتها.
قال: فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ثم قالت: اللهم إني أسلمت لك طوعا، وخالفت الأوثان زهدا، وهاجرت لك رغبة، اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان، ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها.
قال: فوالله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه وألقى أثوب عن وجهه وعاش حتى قبض الله رسوله ﷺ، وحتى هلكت أمه.
قال: ثم جهز عمر بن الخطاب جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي.
قال أنس: وكنت في غزاته فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا آثار الماء والحر شديد فجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة، فلما مالت الشمس لغروبها صلى بنا ركعتين، ثم مد يده إلى السماء، وما نرى في السماء شيئا.
قال: فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا وأفرغت حتى ملأت الغدر، والشعاب فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا علي يا عظيم، يا حليم يا كريم.
ثم قال: أجيزوا بسم الله.
قال: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيرا فأصبنا العدو عليه فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا.
قال: فلم نلبث إلا يسيرا حتى رمي في جنازته.
قال: فحفرنا له وغسلناه ودفناه، فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه فقال: من هذا؟
فقلنا: هذا خير البشر، هذا ابن الحضرمي.
فقال: إن هذه الأرض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض تقبل الموتى.
فقلنا: ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله؟
قال: فاجتمعنا على نبشه فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه، وإذا اللحد مد البصر نور يتلألأ.
قال: فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا.
قال البيهقي رحمه الله: وقد روي عن أبي هريرة في قصة العلاء بن الحضرمي في استسقائه، ومشيهم على الماء دون قصة الموت بنحو من هذا.
وذكر البخاري في التاريخ لهذه القصة إسنادا آخر، وقد أسنده ابن أبي الدنيا عن أبي كريب، عن محمد بن فضيل، عن الصلت بن مطر العجلي، عن عبد الملك بن سهم، عن سهم بن منجاب قال: غزونا مع العلاء بن الحضرمي فذكره وقال في الدعاء: يا عليم، يا حليم، يا علي، يا عظيم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، إسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ، فإذا تركناه فلا تجعل لأحد فيه نصيبا غيرنا.
وقال في البحر: اجعل لنا سبيلا إلى عدوك.
وقال في الموت: أخف جثتي، ولا تطلع على عورتي أحدا، فلم يقدر عليه، والله أعلم.
قصة أخرى:
قال البيهقي: أنا الحسين بن بشران، أنا إسماعيل الصفار، ثنا الحسن بن علي بن عثمان، ثنا ابن نمير عن الأعمش، عن بعض أصحابه قال: انتهينا إلى دجلة وهي مادة والأعاجم خلفها.
فقال رجل من المسلمين: بسم الله ثم اقتحم بفرسه فارتفع على الماء.
فقال الناس: بسم الله، ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء.
فنظر إليهم الأعاجم وقالوا: ديوان ديوان، ثم ذهبوا على وجوههم.
قال: فما فقد الناس إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج، فلما خرجوا أصابوا الغنائم فاقتسموها، فجعل الرجل يقول: من يبادل صفراء ببيضاء.
قصة أخرى:
قال البيهقي: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنا أبو عبد الله بن محمد السمري، ثنا أبو العباس السراج، ثنا الفضل بن سهل وهارون بن عبد الله قالا: ثنا أبو النضر، ثنا سليمان بن المغيرة أن أبا مسلم الخولاني جاء إلى دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها فمشى على الماء والتفت إلى أصحابه وقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعو الله عز وجل؟
قال البيهقي: هذا إسناد صحيح.
قلت: وستأتي قصة مسلم الخولاني، واسمه عبد الله بن ثوب مع الأسود العنسي حين ألقاه في النار فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على الخليل إبراهيم عليه السلام.
قصة زيد بن خارجة وكلامه بعد الموت:
وشهادته بالرسالة لمحمد ﷺ، وبالخلافة لأبي بكر الصديق، ثم لعمر، ثم لعثمان - رضي الله عنهم -
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو صالح ابن أبي طاهر العنبري، أنا جدي يحيى بن منصور القاضي، ثنا أبو علي بن محمد بن عمرو بن كشمرد، أنا القعنبي، أنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أن زيد بن خارجة الأنصاري ثم من بني الحارث بن الخزرج توفي زمن عثمان بن عفان فسجي بثوبه، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم ثم قال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول، صدق صدق عمر بن الخطاب القوي الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم مضت أربع وبقيت ثنتان، أتت بالفتن وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة، وسيأتيكم عن جيشكم خبر بئر أريس، وما بئر أريس؟
قال يحيى: قال سعيد: ثم هلك رجل من بني خطمة فسجي بثوبه فسمع جلجلة في صدره ثم تكلم فقال: إن أخا بني الحارث بنت الخزرج صدق صدق.
ثم رواه البيهقي عن الحاكم، عن أبي بكر ابن إسحاق، عن موسى بن الحسن، عن القعنبي فذكره وقال: هذا إسناد صحيح وله شواهد.
ثم ساقه من طريق أبي بكر عبد الله ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت: حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، ثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل ابن أبي خالد قال: جاء يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان ابن بشير - يعني: إلى أمه - بسم الله الرحمن الرحيم؛ من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة، وأنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه، وهو يومئذ من أصح الناس أو أهل المدينة، فتوفي بين صلاة الأولى وصلاة العصر، فأضجعناه لظهره وغشيناه ببردين وكساء، فأتاني آت في مقامي وأنا أسبح بعد المغرب فقال: إن زيدا قد تكلم بعد وفاته فانصرفت إليه مسرعا، وقد حضره قوم من الأنصار وهو يقول أو يقال على لسانه: الأوسط أجلد الثلاثة الذي كان لا يبالي في الله لومة لائم، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك في الكتاب الأول.
ثم قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة خلت اثنتان وبقي أربع، ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضا، فلا نظام وأبيحت الأحماء، ثم ارعوى المؤمنين.
وقال: كتاب الله وقدره أيها الناس أقبلوا على أميركم واسمعوا، وأطيعوا فمن تولى فلا يعهدن دما وكان أمر الله قدرا مقدورا، الله أكبر هذه الجنة وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون: سلام عليكم يا عبد الله بن رواحة هل أحسست لي خارجة لأبيه وسعدا اللذين قتلا يوم أحد؟
« كلا إنها لظى * نزاعة للشوى * تدعو من أدبر وتولى * وجمع فأوعى » ثم خفت صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه.
فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا، فنظر بعضنا إلى بعض فإذا الصوت من تحت الثياب.
قال: فكشفنا عن وجهه فقال: هذا أحمد رسول الله سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
ثم قال: أبو بكر الصديق الأمين خليفة رسول الله كان ضعيفا في جسمه، قويا في أمر الله صدق صدق، وكان في الكتاب الأول.
ثم رواه الحافظ البيهقي عن أبي نصر ابن قتادة، عن أبي عمرو ابن بجير، عن علي بن الحسين بن الجنيد، عن المعافى بن سليمان، عن زهير بن معاوية، عن إسماعيل ابن أبي خالد فذكره.
وقال: هذا إسناد صحيح.
وقد روى هشام بن عمار في كتاب البعث عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني عمير بن هانئ، حدثني النعمان بن بشير قال: توفي رجل منا يقال له: خارجة بن زيد، فسجينا عليه ثوبا فذكر نحو ما تقدم.
قال البيهقي: وروي ذلك عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير وذكر بئر أريس كما ذكرنا في رواية ابن المسيب.
قال البيهقي: والأمر فيها أن النبي ﷺ اتخذ خاتما فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر من بعده، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس بعد ما مضى من خلافته ست سنين، فعند ذلك تغيرت عماله وظهرت أسباب الفتن كما قيل على لسان زيد بن خارجة.
قلت: وهي المرادة من قوله: مضت اثنتان وبقي أربع، أو مضت أربع وبقي اثنتان على اختلاف الرواية، والله أعلم.
وقد قال البخاري في التاريخ: زيد بن خارجة الخزرجي الأنصاري شهد بدرا، توفي زمن عثمان وهو الذي تكلم بعد الموت.
قال البيهقي: وقد روى في التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة، والله أعلم.
قال ابن أبي الدنيا: ثنا خلف بن هشام البزار، ثنا خالد الطحان عن حصين، عن عبد الله بن عبيد الأنصاري أن رجلا من بني سلمة تكلم فقال: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عثمان اللين الرحيم.
قال: ولا أدري أيش قال في عمر، كذا رواه ابن أبي الدنيا في كتابه.
وقد قال الحافظ البيهقي: أنا أبو سعيد ابن أبي عمرو، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا يحيى ابن أبي طالب، أنا علي بن عاصم، أنا حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عبيد الأنصاري قال: بينما هم يثورون القتلى يوم صفين أو يوم الجمل، إذ تكلم رجل من الأنصار من القتلى فقال: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الشهيد، عثمان الرحيم، ثم سكت.
وقال هشام بن عمار في كتاب البعث.