البداية والنهاية/الجزء السادس/قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة
قال الحافظ أبو يعلى: ثنا سهل بن الحنظلية، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر، عن جابر أن رسول الله ﷺ أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة فقال: « يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع ».
فقالت: لا والله بأبي أنت وأمي، فلما خرج من عندها رسول الله ﷺ بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها وقالت: والله لأوثرن بهذا رسول الله ﷺ على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى شعبة طعام، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله ﷺ فرجع إليها.
فقالت له: بأبي أنت وأمي، قد أتى الله بشيء فخبأته لك.
قال: « هلمي يا بنية » فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت، وعرفت أنها بركة من الله فحمدت الله، وصلت على نبيه ﷺ وقدمته إلى رسول الله.
فلما رآه حمد الله وقال: « من أين لك هذا يا بنية؟ »
قالت: يا أبت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
فحمد الله وقال: « الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله شيئا، فسئلت عنه قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب » فبعث رسول الله ﷺ إلى علي، ثم أكل رسول الله ﷺ وعلي وفاطمة، وحسن وحسين، وجميع أزواج رسول الله ﷺ وأهل بيته جميعا حتى شبعوا.
قالت: وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت بقيتها على جميع جيرانها، وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا.
وهذا حديث غريب أيضا إسنادا ومتنا.
وقد قدمنا في أول البعثة حين نزل قوله تعالى: « وأنذر عشيرتك والأقربين » حديث ربيعة بن ماجد عن علي في دعوته عليه السلام بني هاشم -وكانوا نحوا من أربعين - فقدم إليهم طعاما من مد فأكلوا حتى شبعوا وتركوه كما هو، وسقاهم من عس شرابا حتى رووا وتركوه كما هو ثلاثة أيام متتابعة، ثم دعاهم إلى الله كما تقدم.