البداية والنهاية/الجزء السادس/وقعة الفراض
ثم سار خالد بمن معه من المسلمين إلى وقعة الفراض وهي تخوم الشام والعراق والجزيرة، فأقام هنالك شهر رمضان مفطرا لشغله بالأعداء، ولما بلغ الروم أمر خالد ومصيره إلى قرب بلادهم، حموا وغضبوا وجمعوا جموعا كثيرة، واستمدوا تغلب وإياد والنمر، ثم ناهدوا خالدا فحالت الفرات بينهم.
فقالت الروم لخالد: أعبر إلينا.
وقال خالد للروم: بل اعبروا أنتم.
فعبرت الروم إليهم وذلك للنصف من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة فاقتتلوا هنالك قتالا عظيما بليغا، ثم هزم الله جموع الروم، وتمكن المسلمون من اقتفائهم فقتل في هذه المعركة مائة ألف، وأقام خالد بعد ذلك بالفراض عشرة أيام، ثم أذن بالقفول إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير في المقدمة، وأمر شجرة بن الأعز أن يسير في الساقة، وأظهر خالد أنه يسير في الساقة، وسار خالد في عدة من أصحابه وقصد شطر المسجد الحرام وسار إلى مكة في طريق لم يسلك قبله قط ويأتي له في ذلك أمر لم يقع لغيره، فجعل يسير متعسفا على غير جادة حتى انتهى إلى مكة فأدرك الحج في هذه السنة، ثم عاد فأدرك أمر الساقة قبل أن يصلوا إلى الحيرة، ولم يعلم أحد بحج خالد هذه السنة إلا القليل من الناس ممن كان معه، ولم يعلم أبو بكر الصديق بذلك أيضا إلا بعدما رجع أهل الحج من الموسم، فبعث يعتب عليه في مفارقته الجيش، وكانت عقوبته عنده أن صرفه من غزو العراق إلى غزو الشام، وقال له: فيما كتب إليه يقول له: وإن الجموع لم تشج بعون الله شجيك فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة، فأتمم يتمم الله لك ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدل بعمل فإن الله له المن وهو ولي الجزاء.