البداية والنهاية/الجزء السادس/قصة الأعمى الذي رد الله عليه بصره بدعاء الرسول
قال الإمام أحمد: حدثنا روح وعثمان بن عمر قالا: حدثنا شعبة عن أبي جعفر المديني سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله أدع الله لي أن يعافيني.
فقال: « إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت ».
قال: بل أدع الله لي.
قال: فأمره رسول الله ﷺ أن يتوضأ ويصلي ركعتين، وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني أتوجه به في حاجتي هذه فتقضى.
وقال في رواية عثمان بن عمر: فشفعه في.
قال: ففعل الرجل فبرأ.
ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي جعفر الخطمي.
وقد رواه البيهقي عن الحاكم بسنده إلى أبي جعفر الخطمي، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف فذكر نحوه.
قال عثمان: فوالله ما تفرقنا ولا طال الحديث بنا حتى دخل الرجل كأن لم يكن به ضر قط.
قصة أخرى:
قال أبو بكر ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبد العزيز بن عمر، حدثني رجل من بني سلامان بن سعد عن أمه، عن خاله أو أن خاله أو خالها حبيب بن قريط، حدثها أن أباه خرج إلى رسول الله ﷺ وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا.
فقال له: « ما أصابك؟ »
قال: كنت حملا لي فوقعت رجلي على بيض حية فأصيب بصري.
فنفث رسول الله ﷺ في عينيه فأبصر، فرأيته وإنه ليدخل الخيط في الإبرة وإنه لابن ثمانين سنة وإن عينيه لمبيضتان.
قال البيهقي وغيره: يقول حبيب بن مدرك وثبت في الصحيح: أن رسول الله ﷺ نفث في عيني علي يوم خيبر وهو أرمد فبرأ من ساعته، ثم لم يرمد بعدها أبدا، ومسح رجل جابر بن عتيك وقد انكسرت رجله ليلة قتل أبا رافع تاجر أهل الحجاز الخيبري فبرأ من ساعته أيضا.
وروى البيهقي أنه ﷺ مسح يد محمد بن حاطب وكانت قد احترقت بالنار فبرأ من ساعته، ومسح رجل سلمة بن الأكوع وقد أصيبت يوم خيبر فبرأت من ساعتها، ودعا لسعد ابن أبي وقاص أن يشفى من مرضه ذلك فشفي.
وروى البيهقي أن عمه أبا طالب مرض فسأل منه ﷺ أن يدعو له ربه فدعا له فشفي من مرضه ذلك، وكم له من مثلها وعلى مسلكها من إبراء آلام، وإزالة أسقام، مما يطول شرحه وبسطه.
وقد وقع في كرامات الأولياء إبراء الأعمى بعد الدعاء عليه بالعمى أيضا.
كما رواه الحافظ ابن عساكر من طريق أبي سعيد بن الأعرابي عن أبي داود، حدثنا عمر بن عثمان، حدثنا بقية عن محمد بن زياد، عن أبي مسلم أن امرأة خبثت عليه امرأته فدعا عليها فذهب بصرها، فأتته فقالت: يا أبا مسلم إني كنت فعلت وفعلت وإني لا أعود لمثلها، فقال: اللهم إن كانت صادقة فاردد عليها بصرها، فأبصرت.
ورواه أيضا من طريق أبي بكر ابن أبي الدنيا حدثنا عبد الرحمن بن واقد، حدثنا ضمرة، حدثنا عاصم، حدثنا عثمان بن عطاء قال: كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل منزله فإذا بلغ وسط الدار كبر وكبرت امرأته، فإذا دخل البيت كبر وكبرت امرأته، فيدخل فينزع رداءه وحذاءه وتأتيه بطعام يأكل، فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه، ثم جاء إلى باب البيت فكبر وسلم فلم تجبه، وإذا البيت ليس فيه سراج، وإذا هي جالسة بيدها عود تنكت في الأرض به، فقال لها: مالك؟
فقالت: الناس بخير وأنت لو أتيت معاوية فيأمر لنا بخادم ويعطيك شيئا تعيش به.
فقال: اللهم من أفسد علي أهلي فأعم بصره.
قال: وكانت أتتها امرأة فقالت لامرأة أبي مسلم: لو كلمت زوجك ليكلم معاوية فيخدمكم ويعطيكم.
قال: فبينما هذه المرأة في منزلها والسراج مزهو إذ أنكرت بصرها فقالت: سراجكم طفئ؟
قالوا: لا.
قالت: إن الله أذهب بصري فأقبلت كما هي إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده وتتلطف إليه، فدعا الله فرد بصرها، ورجعت امرأته على حالها التي كانت عليها.
وأما قصة المائدة التي قال الله تعالى: { قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين } [المائدة: 112-115] .
وقد ذكرنا في التفسير بسط ذلك واختلاف المفسرين فيها هل نزلت أم لا على قولين، والمشهور عن الجمهور أنها نزلت واختلف فيما كان عليها من الطعام على أقوال، وذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير الذي فتح البلاد المغربية أيام بني أمية وجد المائدة، ولكن قيل: إنها مائدة سليمان بن داود مرصعة بالجواهر وهي من ذهب، فأرسل بها إلى الوليد بن عبد الملك فكانت عنده حتى مات، فتسلمها أخوه سليمان، وقيل: إنها مائدة عيسى لكن يبعد هذا أن النصارى لا يعرفون المائدة كما قاله غير واحد من العلماء والله أعلم.
والمقصود أن المائدة سواء كانت قد نزلت أم لم تنزل، وقد كانت موائد رسول الله ﷺ تمد من السماء، وكانوا يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل بين يديه، وكم قد أشبع من طعام يسير ألوفا ومئات وعشرات ﷺ ما تعاقبت الأوقات، وما دامت الأرض والسموات.
وهذا أبو مسلم الخولاني وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمته من تاريخه أمرا عجيبا، وشأنا غريبا حيث روي من طريق إسحاق بن يحيى الملطي عن الأوزاعي قال: أتى أبا مسلم الخولاني نفر من قومه فقالوا: يا أبا مسلم أما تشتاق إلى الحج؟
قال: بلى لو أصبت لي أصحابا.
فقالوا: نحن أصحابك.
قال: لستم لي بأصحاب، إنما أصحابي قوم لا يريدون الزاد ولا المزاد.
فقالوا: سبحان الله وكيف يسافر أقوام بلا زاد ولا مزاد؟
قال لهم: ألا ترون إلى الطير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد والله يرزقها، وهي لا تبيع ولا تشتري، ولا تحرث ولا تزرع والله يرزقها.
قال: فقالوا: فإنا نسافر معك.
قال: فهبوا على بركة الله تعالى.
قال: فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زاد ولا مزاد، فلما انتهوا إلى المنزل قالوا: يا أبا مسلم طعام لنا وعلف لدوابنا.
قال: فقال لهم: نعم، فسجا غير بعيد فيمم مسجد أحجار فصلى فيه ركعتين ثم جثى على ركبتيه فقال: إلهي قد تعلم ما أخرجني من منزلي وإنما خرجت آمرا لك، وقد رأيت البخيل من ولد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قرى وإنا أضيافك وزوارك فأطعمنا واسقنا واعلف دوابنا.
قال: فأتى بسفرة مدت بين أيديهم، وجيء بجفنة من ثريد، وجيء بقلتين من ماء، وجيء بالعلف لا يدرون من يأتي به، فلم تزل تلك حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا لا يتكلفون زادا ولا مزادا.
فهذه حال ولي من هذه الأمة نزل عليه وعلى أصحابه مائدة كل يوم مرتين مع ما يضاف إليها من الماء والعلوفة لدواب أصحابه، وهذا اعتناء عظيم، وإنما نال ذلك ببركة متابعته لهذا النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة والتسليم -.
وأما قوله عن عيسى بن مريم عليه السلام: أنه قال لبني إسرائيل: { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } [آل عمران: 49] .
فهذا شيء يسير على الأنبياء بل وعلى كثير من الأولياء، وقد قال يوسف الصديق لذينك الفتيين المحبوسين معه: { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } [يوسف: 37] .
وقد أخبر رسول الله ﷺ بالأخبار الماضية طبق ما وقع، وعن الأخبار الحاضرة سواء بسواء، كما أخبر عن أكل الأرضة لتلك الصحيفة الظالمة التي كانت بطون قريش قديما كتبتها على مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب حتى يسلموا إليهم رسول الله ﷺ وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة فأرسل الله الأرضة فأكلتها إلا مواضع اسم الله تعالى، وفي رواية فأكلت اسم الله منها تنزيها لها أن تكون مع الذي فيها من الظلم والعدوان، فأخبر بذلك رسول الله ﷺ عمه أبا طالب وهم بالشعب، فخرج إليهم أبو طالب وقال لهم عما أخبرهم به.
فقالوا: إن كان كما قال، وإلا فسلموه إلينا.
فقالوا: نعم، فأنزلوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر عنها رسول الله ﷺ سواء بسواء، فأقلعت بطون قريش عما كانوا عليه لبني هاشم وبني المطلب، وهدى الله بذلك خلقا كثيرا، وكم له مثلها كما تقدم بسطه وبيانه في مواضع من السيرة وغيرها ولله الحمد والمنة.
وفي يوم بدر لما طلب من العباس عمه فداء ادعى أنه لا مال له.
فقال له: فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل تحت أسكفة الباب وقلت لها: إن قتلت فهو للصبية.
فقال: والله يا رسول الله إن هذا شيء لم يطلع عليه غيري وغير أم الفضل إلا الله عز وجل.
وأخبر بموت النجاشي يوم مات وهو بالحبشة وصلى عليه.
وأخبر عن قتل الأمراء يوم مؤتة واحدا بعد واحد وهو على المنبر وعيناه تذرفان.
وأخبر عن الكتاب الذي أرسل به حاطب بن بلتعة مع شاكر مولى بني عبد المطلب، وأرسل في طلبها عليا، والزبير، والمقداد، فوجدوها قد جعلته في عقاصها، وفي رواية في حجزتها، وقد تقدم ذلك في غزوة الفتح.
وقال لأميري كسرى اللذين بعث بهما نائب اليمن لكسرى ليستعلما أمر رسول الله ﷺ: « إن ربي قد قتل الليلة ربكما » فأرخا تلك الليلة، فإذا كسرى قد سلط الله عليه ولده فقتله، فأسلما وأسلم نائب اليمن، وكان سبب ملك اليمن لرسول الله ﷺ.
وأما إخباره ﷺ عن الغيوب المستقبلة فكثيرة جدا كما تقدم بسط ذلك، وسيأتي في أنباء التواريخ ليقع ذلك طبق ما كان سواء.
وذكر ابن حامد في مقابلة جهاد عيسى عليه الصلاة والسلام جهاد رسول الله ﷺ وفي مقابلة زهد عيسى عليه الصلاة والسلام زهادة رسول الله ﷺ عن كنوز الأرض حين عرضت عليه فأباها وقال: « أجوع يوما وأشبع يوما ».
وأنه كان له ثلاث عشرة زوجة يمضي عليهن الشهر والشهران لا توقد عندهن نار ولا مصباح، إنما هو الأسودان التمر والماء، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع، وما شبعوا من خبز بر ثلاث ليال تباعا وكان فراشه من أدم حشوه ليف، وربما اعتقل الشاة فيحلبها، ورقع ثوبه، وخصف نعله بيده الكريمة - صلوات الله وسلامه عليه - ومات ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي على طعام اشتراه لأهله، هذا وكم آثر بآلاف مؤلفة والإبل والشاء والغنائم والهدايا على نفسه وأهله للفقراء، والمحاويج والأرامل والأيتام والأسرى، والمساكين.
وذكر أبو نعيم في مقابلة تبشير الملائكة لمريم الصديقة بوضع عيسى، ما بشرت به آمنة أم رسول الله ﷺ حين حملت به في منامها، وما قيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فسميه محمدا، وقد بسطنا ذلك في المولد كما تقدم.
وقد أورد الحافظ أبو نعيم هاهنا حديثا غريبا مطولا بالمولد أحببنا أن نسوقه ليكون الختام نظير الافتتاح وبالله المستعان وعليه التكلان، ولله الحمد.
فقال: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا حفص بن عمرو بن الصباح، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلي، أنا أبو بكر ابن أبي مريم عن سعيد بن عمر الأنصاري، عن أبيه قال: قال ابن عباس: فكان من دلالات حمل محمد ﷺ أن كل دابة كانت لقريش نطقت تلك الليلة: قد حمل برسول الله ﷺ ورب الكعبة، وهو أمان الدنيا، وسراج أهلها، ولم يبق كاهن في قريش ولا قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبتها، وانتزع علم الكهنة منها، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا، والملك مخرسا لا ينطق يومه لذلك، وفرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات، وكذلك أهل البحار بشر بعضهم بعضا، وفي كل شهر من شهوره نداء في الأرض ونداء في السموات: أبشروا فقد آن لأبي القاسم أن يخرج إلى الأرض ميمونا مباركا.
قال: وبقي في بطن أمه تسعة أشهر، وهلك أبوه عبد الله وهو في بطن أمه، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا بقي نبيك هذا يتيما.
فقال الله تعالى للملائكة: « أنا له ولي وحافظ ونصير » فتبركوا بمولده ميمونا مباركا، وفتح الله لمولده أبواب السماء وجناته، وكانت آمنة تحدث عن نفسها وتقول: أتى لي آت حين مر لي من حمله ستة أشهر فوكزني برجله في المنام وقال: يا آمنة إنك حملت بخير العالمين طرا، فإذا ولدتيه فسميه محمدا أو النبي، شأنك.
قال: وكانت تحدث عن نفسها وتقول: لقد أخذني ما يأخذ النساء ولم يعلم بي أحد من القوم ذكر ولا أنثى، وإني لوحيدة في المنزل وعبد المطلب في طوافه، قالت: فسمعت وجبة شديدة وأمرا عظيما فهالني ذلك وذلك يوم الإثنين، ورأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي فذهب كل رعب وكل فزع ووجل كنت أجد، ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا وكنت عطشانة فتناولتها فشربتها فأصابني نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل الطوال كأنهن من بنات عبد المطلب يحدقن بي، فبينا أنا أعجب وأقول: واغوثاه من أين علمن بي واشتد بي الأمر، وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول، وإذا أنا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض، وإذا قائل يقول: خذوه عن أعين الناس.
قالت: رأيت رجالا وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق فضة، وأنا يرشح مني عرق كالجمان أطيب ريحا من المسك الأزفر، وأنا أقول: ياليت عبد المطلب قد دخل علي.
قالت: ورأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي مناقيرها من الزمرد، وأجنحتها من اليواقيت، فكشف الله لي عن بصيرتي فأبصرت من ساعتي مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاث علامات مضروبات: علم بالمشرق، وعلم بالمغرب، وعلم على ظهر الكعبة، فأخذني المخاض واشتد بي الطلق جدا، فكنت كأني مسندة إلى أركان النساء، وكثرن علي حتى كأني مع البيت وأنا لا أرى شيئا، فولدت محمدا، فلما خرج من بطني درت فنظرت إليه فإذا هو ساجد وقد رفع إصبعيه كالمتضرع المبتهل، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء تنزل حتى غشيته فغيب عن عيني، فسمعت مناديا ينادي يقول: طوفوا بمحمد ﷺ شرق الأرض وغربها وأدخلوه البحار كلها ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلموا أنه سمي الماحي لا يبقي شيء من الشرك إلا محي به.
قالت: ثم تخلوا عنه في أسرع وقت، فإذا أنا به مدرج في ثوب صوف أبيض أشد بياضا من اللبن، وتحته حريرة خضراء، وقد قبض محمد ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض وإذا قائل يقول: قبض محمد مفاتيح النصر، ومفاتيح الريح، ومفاتيح النبوة، هكذا أورده وسكت عليه وهو غريب جدا.
وقال الشيخ جمال الدين أبو زكريا يحيى بن يوسف بن منصور بن عمر الأنصاري الصرصري الماهر الحافظ للأحاديث واللغة ذو المحبة الصادقة لرسول الله ﷺ: فلذلك يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه وفي ديوانه المكتوب عنه في مديح رسول الله ﷺ وقد كان ضرير البصر بصير البصيرة، وكانت وفاته ببغداد في سنة ست وخمسين وستمائة قتله التتار في كل بنة بغداد كما سيأتي ذلك في موضعه في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان.
قال في قصيدته من حرف الحاء المهملة من ديوانه
محمد المبعوث للناس رحمة * يشيد ما أوهى الضلال ويصلح
لئن سبحت صم الجبال مجيبة * لداود أو لان الحديد المصفح
فإن الصخور الصم لانت بكفه * وإن الحصا في كفه ليسبح
وإن كان موسى أنبع الماء من العصا * فمن كفه قد أصبح الماء يطفح
وإن كانت الريح الرخاء مطيعة * سليمان لا تألو تروح وتسرح
فإن الصبا كانت لنصر نبينا * برعب على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملك العظيم وسخرت * له الجن تشفي مارضيه وتلدح
فإن مفاتيح الكنوز بأسرها * أتته فرد الزاهد المترجح
وإن كان إبراهيم أعطي خلة * وموسى بتكليم على الطور يمنح
فهذا حبيب بل خليل مكلم * وخصص بالرؤيا وبالحق أشرح
وخصص بالحوض العظيم وباللوا * ويشفع للعاصين والنار تلفح
وبالمقعد الأعلى المقرب عنده * عطاء ببشراه أقر وأفرح
وبالرتبة العليا الأسيلة دونها * مراتب أرباب المواهب تلمح
وفي جنة الفردوس أول داخل * له سائر الأبواب بالخار تفتح
وهذا آخر ما يسر الله جمعه من الأخبار بالمغيبات التي وقعت إلى زماننا مما يدخل في دلائل النبوة والله الهادي، وإذا فرغنا إن شاء الله من إيراد الحادثات من بعد موته عليه السلام إلى زماننا نتبع ذلك بذكر الفتن والملاحم الواقعة في آخر الزمان، ثم نسوق بعد ذلك أشراط الساعة، ثم نذكر البعث والنشور، ثم ما يقع يوم القيامة من الأهوال، وما فيه من العظمة، ونذكر الحوض والميزان والصراط، ثم نذكر صفة النار، ثم صفة الجنة.