البداية والنهاية/الجزء السادس/ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي
قال يعقوب بن سفيان: ثنا ابن بكير، ثنا ابن لهيعة، حدثني الحارث عن يزيد، عن عبد الله بن رزين الغافقي قال: سمعت علي ابن أبي طالب يقول: يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأخدود، فقتل حجر بن عدي وأصحابه.
وقال يعقوب بن سفيان: قال أبو نعيم: ذكر زياد بن سمية علي ابن أبي طالب على المنبر فقبض حجر على الحصباء ثم أرسلها وحصب من حوله زيادا فكتب إلى معاوية يقول: إن حجرا حصبني وأنا على المنبر، فكتب إليه معاوية أن يحمل حجرا فلما قرب من دمشق بعث من يتلقاهم فالتقى معهم بعذراء فقتلهم.
قال البيهقي: لا يقول علي مثل هذا إلا أنه يكون سمعه من رسول الله ﷺ.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة، ثنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء حجرا وأصحابه؟
فقال: يا أم المؤمنين إني رأيت قتلهم إصلاحا للأمة وأن بقاءهم فسادا.
فقالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء ».
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عمرو بن عاصم، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن مروان بن الحكم قال: دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: يا معاوية قتلت حجرا وأصحابه وفعلت الذي فعلت أما خشيت أن أخبىء لك رجلا فيقتلك؟
قال: لا إني في بيت أمان سمعت رسول الله ﷺ يقول: « الإيمان قيد الفتك لا يفتك، لا يفتك مؤمن » يا أم المؤمنين كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك؟
قالت: صالح.
قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا عز وجل.
حديث آخر:
قال يعقوب بن سفيان: ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا شعبة عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال لعشرة من أصحابه: « آخركم موتا في النار » فيهم سمرة بن جندب قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا.
قال البيهقي: رواته ثقات إلا أن أبا نضرة العبدي لم يثبت له من أبي هريرة سماع والله أعلم.
ثم روى من طريق إسماعيل بن حكيم عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن حكيم قال: كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فلا يبدأ بشيء حتى يسألني عن سمرة فلو أخبرته بحياته وصحته فرح وقال: إنا كنا عشرة في بيت وإن رسول الله قام علينا ونظر في وجوهنا وأخذ بعضادتي الباب وقال: « آخركم موتا في النار ».
فقد مات منا ثمانية ولم يبق غيري وغيره، فليس شيء أحب إلي من أن أكون قد ذقت الموت، وله شاهد من وجه آخر.
وقال يعقوب ابن سفيان: ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة.
فقلت لأبي محذورة: مالك إذا قدمت عليك تسألني عن سمرة وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟
فقال: إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت فجاء النبي ﷺ فقال: « آخركم موتا في النار ».
قال: فمات أبو هريرة ثم مات أبو محذورة ثم مات سمرة.
وقال عبد الرزاق: أنا معمر سمعت ابن طاوس وغيره يقولون: قال النبي ﷺ لأبي هريرة وسمرة بن جندب ولرجل آخر: « آخركم موتا في النار » فمات الرجل قبلهما، وبقي أبو هريرة وسمرة فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ أبا هريرة يقول: مات سمرة، فإذا سمعه غشي عليه وصعق، ثم مات أبو هريرة قبل سمرة وقتل سمرة بشرا كثيرا.
وقد ضعف البيهقي عامة هذه الروايات لانقطاع بعضها وإرساله ثم قال: وقد قال بعض أهل العلم: أن سمرة مات في الحريق.
ثم قال: ويحتمل أن يورد النار بذنوبه ثم ينجو منها بإيمانه فيخرج منها بشفاعة الشافعين والله أعلم.
ثم أورد من طريق هلال بن العلاء الرقي أن عبد الله بن معاوية حدثهم عن رجل قد سماه أن سمرة استجمر فغفل عن نفسه وغفل أهله عنه حتى أخذته النار.
قلت: وذكر غيره أن سمرة بن جندب رضي الله عنه أصابه كرار شديد وكان يوقد له على قدر مملوءة ماءا حارا فيجلس فوقها ليتدفأ ببخارها فسقط يوما فيها فمات رضي الله عنه وكان موته سنة تسع وخمسين بعد أبي هريرة بسنة وقد كان ينوب عن زياد بن سمية في البصرة إذا سار إلى الكوفة، وفي الكوفة إذا سار إلى البصرة، فكان يقيم في كل منهما ستة أشهر من السنة وكان شديدا على الخوارج مكثرا للقتل فيهم ويقول: هم شر قتلى تحت أديم السماء.
وقد كان الحسن البصري ومحمد بن سيرين وغيرهما من علماء البصرة يثنون عليه رضي الله عنه.
خبر رافع بن خديج:
روى البيهقي من حديث مسلم بن إبراهيم عن عمرو بن مرزوق الواضحي، ثنا يحيى بن عبد الحميد ابن رافع عن جدته أن رافع بن خديج رمي.
قال عمر: لا أدري أيهما قال - يوم أحد أو يوم حنين - بسهم في ثندوته فأتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إنزع لي السهم.
فقال له: « يا رافع إن شئت نزعت السهم والقبضة جميعا وإن شئت نزعت السهم وتركت القبضة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد ».
فقال: يا رسول الله إنزع السهم واترك القبضة واشهد لي يوم القيامة أني شهيد.
قال: فعاش حتى كانت خلافة معاوية انتقض الجرح فمات بعد العصر هكذا وقع في هذه الرواية أنه مات في إمارة معاوية.
والذي ذكره الواقدي وغير واحد أنه مات سنة ثلاث وقيل: أربع وسبعين، ومعاوية رضي الله عنه كانت وفاته في سنة ستين بلا خلاف والله أعلم.