البداية والنهاية/الجزء السادس/حديث الضـب على ما فيه من النكارة والغرابة
قال البيهقي: أنا أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني من ساكني قرية نامين من ناحية بيهق - قراءة عليه من أصل كتابه - ثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ - في شعبان سنة اثنتين وثلثمائة - ثنا محمد بن الوليد السلمي، ثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا معمر بن سليمان، ثنا كهمس عن داود ابن أبي هند، عن عامر بن عمر، عن عمر بن الخطاب أن رسول الله ﷺ كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضبا وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله فيشويه ويأكله، فلما رأى الجماعة قال: ما هذا؟
قالوا: هذا الذي يذكر أنه نبي فجاء فشق الناس.
فقال: واللات والعزى ما شملت السماء على ذي لهجة أبغض إلي منك، ولا أمقت منك، ولولا أن يسميني قومي عجولا لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك الأسود والأحمر والأبيض وغيرهم.
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني فأقوم فأقتله.
قال: « يا عمر أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا ».
ثم أقبل على الأعرابي وقال: « ما حملك على أن قلت ما قلت غير الحق، ولم تكرمني في مجلسي؟ »
فقال: وتكلمني أيضا؟ استخفافا برسول الله ﷺ واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضـب - وأخرج الضـب من كمه وطرحه بين يدي رسول الله ﷺ.
فقال رسول الله ﷺ: « يا ضب ».
فأجابه الضـب بلسان عربي مبين يسمعه القوم جميعا: لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة.
قال: « من تعبد يا ضب؟ »
قال: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عقابه.
قال: « فمن أنا يا ضب؟ »
فقال: رسول رب العالمين وخاتم النبيين، وقد أفلح من صدقك، وقد خاب من كذبك.
فقال الأعرابي: والله لا أتبع أثرا بعد عين، والله لقد جئتك وما على ظهر الأرض أبغض إلي منك، وإنك اليوم أحب إلي من والدي، ومن عيني ومني، وإني لأحبك بداخلي وخارجي، وسري وعلانيتي، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
فقال رسول الله: « الحمد لله الذي هداك بي، إن هذا الدين يعلو ولا يعلى، ولا يقبل إلا بصلاة ولا تقبل الصلاة إلا بقرآن.
قال: فعلمني.
فعلمه « قل هو الله أحد ».
قال: زدني فما سمعت في البسيط ولا في الوجيز أحسن من هذا.
قال: « يا أعرابي إن هذا كلام الله ليس بشعر، إنك إن قرأت « قل هو الله أحد » مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن، وإن قرأتها مرتين كان لك كأجر من قرأ ثلثي القرآن، وإذا قرأتها ثلاث مرات كان لك كأجر من قرأ القرآن كله ».
قال الأعرابي: نعم الإله إلهنا يقبل اليسير ويعطي الجزيل.
فقال رسول الله ﷺ: « ألك مال؟ »
فقال: ما في بني سليم قاطبة رجل هو أفقر مني.
فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: « أعطوه فأعطوه حتى أبطروه ».
قال: فقام عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله إن له عندي ناقة عشراء دون البختية وفوق الأعرى، تلحق ولا تلحق أهديت إلي يوم تبوك، أتقرب بها إلى الله عز وجل فأدفعها إلى الأعرابي؟
فقال رسول الله ﷺ: « وصفت ناقتك فأصف مالك عند الله يوم القيامة؟ »
قال: نعم.
قال: « لك ناقة من درة جوفاء قوائمها من زبرجد أخضر، وعنقها من زبرجد أصفر، عليها هودج وعلى الهودج السندس والاستبرق، وتمر بك على الصراط كالبرق الخاطف، يغبطك بها كل من رآك يوم القيامة ».
فقال عبد الرحمن: قد رضيت، فخرج الأعرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم على ألف دابة معهم ألف سيف وألف رمح.
فقال لهم: أين تريدون؟
قالوا: نذهب إلى هذا الذي سفه آلهتنا فنقتله.
قال: لا تفعلوا أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وحدثهم الحديث.
فقالوا بأجمعهم: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ثم دخلوا فقيل لرسول الله فتلقاهم بلا رداء، ونزلوا عن ركبهم يقبلون حيث ولوا عنه وهم يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
ثم قالوا: يا رسول الله مرنا بأمرك.
قال: كونوا تحت راية خالد بن الوليد.
فلم يؤمن من العرب ولا غيرهم ألف غيرهم.
قال البيهقي: قد أخرجه شيخنا أبو عبد الله الحافظ في المعجزات بالإجازة عن أبي أحمد ابن عدي الحافظ.
قلت: ورواه الحافظ أبو نعيم في الدلائل عن أبي القاسم بن أحمد الطبراني - إملاء وقراءة -، حدثنا محمد بن علي بن الوليد السلمي البصري أبو بكر بن كنانة فذكر مثله.
ورواه أبو بكر الإسماعيلي عن محمد بن علي بن الوليد السلمي.
قال البيهقي: روي في ذلك عن عائشة وأبي هريرة، وما ذكرناه هو أمثل الأسانيد فيه وهو أيضا ضعيف، والحمل فيه على هذا السلمي، والله أعلم.