البداية والنهاية/الجزء السادس/صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر محاسنه
فرقه وجبينه وحاجبيه وعينيه وأنفه
وقد تقدم قول أبي الطفيل: كان أبيض مليح الوجه.
وقول أنس: كان أزهر اللون.
وقول البراء وقد قيل له: أكان وجه رسول الله ﷺ مثل السيف - يعني: في صقاله -؟
فقال: لا، بل مثل القمر.
وقول جابر بن سمرة وقد قيل له: مثل ذلك.
فقال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا.
وقول الربيع بنت معوذ: لو رأيته لقلت الشمس طالعة.
وفي رواية: لرأيت الشمس طالعة.
وقال أبو إسحاق السبيعي عن امرأة من همدان حجت مع رسول الله ﷺ فسألها عنه.
فقالت: كان كالقمر ليلة البدر، لم أر قبله ولا بعده مثله.
وقال أبو هريرة: كأن الشمس تجري في وجهه.
وفي رواية: في جبهته.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان وحسن بن موسى قالا: ثنا حماد - وهو ابن سلمة - عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن أبيه قال: كان رسول الله ﷺ ضخم الرأس، عظيم العينين، أهدب الأشفار، مشرب العينين بحمرة، كث اللحية، أزهر اللون، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى كأنما يمشي في صعد، وإذا التفت التفت جميعا.
تفرد به أحمد.
وقال أبو يعلى: حدثنا زكريا ويحيى الواسطي، ثنا عباد بن العوام، ثنا الحجاج عن سالم المكي، عن ابن الحنفية، عن علي أنه سئل عن صفة النبي ﷺ فقال: كان لا قصيرا ولا طويلا، حسن الشعر رجله مشربا وجهه حمرة، ضخم الكراديس، شثن الكعبين والقدمين، عظيم الرأس، طويل المسربة، لم أر قبله ولا بعده مثله، إذا مشى تكفأ كأنما ينزل من صبب.
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب عن أبيه، عن جده، عن علي قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن فإني لأخطب يوما على الناس، وحبر من أحبار يهود واقف في يده سفر ينظر فيه، فلما رآني قال: صف لنا أبا القاسم.
فقال علي: رسول الله ليس بالقصير ولا بالطويل البائن، وليس بالجعد القطط ولا بالسبط، هو رجل الشعر أسوده، ضخم الرأس، مشربا لونه حمرة، عظيم الكراديس، شثن الكفين والقدمين، طويل المسربة، وهو الشعر الذي يكون من النحر إلى السرة، أهدب الأشفار، مقرون الحاجبين، صلت الجبين، بعيد ما بين المنكبين إذا مشى تكفأ كأنما ينزل من صبب، لم أر قبله مثله ولا بعده مثله.
قال علي: ثم سكت.
فقال لي الحبر: وماذا؟
قال علي: هذا ما يحضرني.
قال الحبر: في عينيه حمرة، حسن اللحية، حسن الفم، تام الأذنين، يقبل جميعا ويدبر جميعا.
فقال علي: والله هذه صفته.
قال الحبر: وشيء آخر.
قال علي: وما هو؟
قال الحبر: وفيه جناء.
قال علي: هو الذي قلت لك كأنما ينزل من صبب.
قال الحبر: فإني أجد هذه الصفة في سفر إياي ونجده يبعث في حرم الله وأمنه وموضع بيته، ثم يهاجر إلى حرم يحرمه هو ويكون له حرمة كحرمة الحرم الذي حرم الله، ونجد أنصاره الذين هاجر إليهم قوما من ولد عمر بن عامر أهل نخل، وأهل الأرض قبلهم يهود.
قال علي: هو هو، وهو رسول الله ﷺ.
قال الحبر: فإني أشهد أنه نبي، وأنه رسول الله إلى الناس كافة، فعلى ذلك أحيا وعليه أموت، وعليه أبعث إن شاء الله.
قال: فكان يأتي عليا فيعلمه القرآن، ويخبره بشرائع الإسلام، ثم خرج علي والحبر من هنالك حتى مات في خلافة أبي بكر، وهو مؤمن برسول الله ﷺ مصدق به.
وهذه الصفة قد وردت عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب من طرق متعددة سيأتي ذكرها.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا خالد بن عبد الله عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب، عن أبيه، عن جده قال: سئل أو قيل لعلي: انعت لنا رسول الله.
فقال: كان أبيض مشربا بياضه حمرة، وكان أسود الحدقة أهدب الأشفار.
قال يعقوب: وحدثنا عبد الله بن سلمة وسعيد بن منصور قالا: ثنا عيسى بن يونس، ثنا عمر بن عبد الله - مولى عفرة - عن إبراهيم بن محمد عن ولد علي قال: كان علي إذا نعت رسول الله.
قال: كان في الوجه تدوير، أبيض، أدعج العينين، أهدب الأشفار.
قال الجوهري: الدعج شدة سواد العينين مع سعتها.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة، أخبرني سماك سمعت جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله ﷺ أشهل العينين، منهوس العقب، ضليع الفم.
هكذا وقع في رواية أبي داود عن شعبة: أشهل العينين.
قال أبو عبيد: والشهلة حمرة في سواد العين، والشكلة حمرة في بياض العين.
قلت: وقد روى هذا الحديث مسلم في صحيحه عن أبي موسى وبندار، كلاهما عن أحمد بن منيع، عن أبي قطن، عن شعبة به.
وقال: أشكل العينين.
وقال: حسن صحيح.
ووقع في صحيح مسلم تفسير الشكلة بطول أشفار العينين، وهو من بعض الرواة، وقول أبي عبيد حمرة في بياض العين أشهر وأصح، وذلك يدل على القوة والشجاعة، والله تعالى أعلم.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني عمرو بن الحرث، حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي، حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله فقال: كان مفاض الجبين أهدب الأشفار.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو غسان، ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي، حدثني رجل بمكة عن ابن لأبي هالة التميمي، عن الحسن بن علي، عن خاله قال: كان رسول الله واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان.
وقال يعقوب: ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا عبد العزيز ابن أبي ثابت الزهري، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس قال: كان رسول الله أفلج الثنيتين، وكان إذا تكلم رئي كالنور بين ثناياه.
ورواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن المنذر به.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا عباد بن حجاج عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كنت إذا نظرت المنذر به رسول الله ﷺ قلت: أكحل العينين وليس بأكحل، وكان في ساقي رسول الله حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسما.
وقال الإمام أحمد: ثنا وكيع، حدثني مجمع بن يحيى عن عبد الله بن عمران الأنصاري، عن علي والمسعودي، عن عثمان بن عبد الله، عن هرمز، عن نافع بن جبير، عن علي قال: كان رسول الله ليس بالقصير ولا بالطويل، ضخم الرأس واللحية، شثن الكفين والقدمين، والكراديس مشربا وجهه حمرة، طويل المسربة، إذا مشى تكفأ كأنما يقلع من صخر لم أر قبله ولا بعده مثله.
قال ابن عساكر: وقد رواه عبد الله بن داود الخريبي عن مجمع، فأدخل بين ابن عمران وبين علي رجلا غير مسمى، ثم أسند من طريق عمرو بن علي الفلاس عن عبد الله بن داود، ثنا مجمع بن يحيى الأنصاري عن عبد الله بن عمران، عن رجل من الأنصار قال: سألت علي ابن أبي طالب، وهو محتب بحمالة سيفه في مسجد الكوفة عن نعت رسول الله؟
فقال: كان أبيض اللون مشربا حمرة، أدعج العينين، سبط الشعر، دقيق المسربة، سهل الخد، كث اللحية، ذا وفرة كأن عنقه إبريق فضة، له شعر من لبته إلى سرته كالقضيب ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكفين والقدم، إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت جميعا، ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بالعاجز ولا اللأم، كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من المسك الأذفر لم أر قبله ولا بعده مثله.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا سعيد بن منصور، ثنا نوح بن قيس الحرني، ثنا خالد بن خالد التميمي عن يوسف بن مازن المازني أن رجلا قال لعلي: يا أمير المؤمنين إنعت لنا رسول الله.
قال: كان أبيض مشربا حمرة، ضخم الهامة، أغر، أبلج، أهدب الأشفار.
وقال الإمام أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا شريك عن ابن عمير قال شريك: قلت له: عمن يا أبا عمير، عمن حدثه؟.
قال: عن نافع بن جبير، عن أبيه، عن علي قال: كان رسول الله ضخم الهامة، مشربا حمرة، شثن الكفين والقدمين، ضخم اللحية، طويل، لم أر قبله مثله ولا بعده.
وقد روي لهذا شواهد كثيرة عن علي، وروي عن عمر نحوه.
وقال الواقدي: ثنا بكير بن مسمار عن زياد بن سعد قال: سألت سعد ابن أبي وقاص هل خضب رسول الله؟
قال: لا، ولا هم به، كان شيبه في عنفقته وناصيته لو أشاء أن أعدها لعددتها.
قلت: فما صفته؟
قال: كان رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، ولا بالسبط ولا بالقطط، وكانت لحيته حسنة وجبينه صلتا مشربا بحمرة، شثن الأصابع، شديد سواد الرأس واللحية.
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: ثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا يحيى بن حاتم العسكري، ثنا بسر بن مهران، ثنا شريك عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود قال: إن أول شيء علمته من رسول الله قدمت مكة في عمومة لي فأرشدونا إلى العباس بن عبد المطلب فانتهينا إليه، وهو جالس إلى زمزم، فجلسنا إليه فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض تعلوه حمرة له وفرة جعدة إلى أنصاف أذنيه، أقنى الأنف، براق الثنايا، أدعج العينين، كث اللحية، دقيق المسربة، شثن الكفين والقدمين، عليه ثوبان أبيضان كأنه القمر ليلة البدر.
وذكر تمام الحديث وطوافه عليه السلام بالبيت وصلاته عنده هو وخديجة وعلي ابن أبي طالب، وأنهم سألوا العباس عنه.
فقال: هذا هو ابن أخي: محمد بن عبد الله، وهو يزعم أن الله أرسله إلى الناس.
وقال الإمام أحمد: ثنا جعفر، ثنا عوف ابن أبي جميلة عن يزيد الفارسي قال: رأيت رسول الله في النوم في زمن ابن عباس قال: وكان يزيد يكتب المصاحف.
قال: فقلت لابن عباس: إني رأيت رسول الله في النوم.
قال ابن عباس: فإن رسول الله ﷺ كان يقول: « إن الشيطان لا يستطيع أمية يتشبه بي، فمن رآني فقد رآني » هل تستطيع أن تنعت لنا هذا الرجل الذي رأيت؟
قال: قلت: نعم رأيت رجلا بين الرجلين جسمه، ولحمه أسمر إلى البياض، حسن الضحك، أكحل العينين، جميل دوائر الوجه، قد ملأت لحمتيه من هذه إلى هذه، حتى كادت تملأ نحره.
قال عوف: لا أدري ما كان مع هذا من النعت.
قال: فقال ابن عباس: لو رأيته في اليقظة، ما استطعت أن تنعته فوق هذا.
وقال محمد بن يحيى الذهلي: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر عن الزهري قال: سئل أبو هريرة عن صفة رسول الله فقال: أحسن الصفة وأجملها، كان ربعة إلى الطول، ما هو بعيد ما بين المنكبين، أسيل الخدين، شديد سواد الشعر، أكحل العين، أهدب الأشفار، إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها، ليس لها أخمص، إذا وضع رداءه على منكبيه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك كاد يتلألأ في الجدر، لم أر قبله ولا بعده مثله.
وقد رواه محمد بن يحيى من وجه آخر متصل فقال: ثنا إسحاق بن إبراهيم - يعني: الزبيدي - حدثني عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة فذكر نحو ما تقدم.
ورواه الذهلي عن إسحاق بن راهويه، عن النضر بن شميل، عن صالح، عن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر، مفاض البطن، عظيم مشاش المنكبين، يطأ بقدمه جميعا، إذا أقبل أقبل جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا.
ورواه الواقدي: حدثني عبد الملك عن سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله ششن القدمين والكفين، ضخم الساقين، عظيم الساعدين، ضخم العضدين والمنكبين بعيد ما بينهما، رحب الصدر، رجل الرأس، أهدب العينين، حسن الفم، حسن اللحية، تام الأذنين، ربعة من القوم، لا طويل ولا قصير، أحسن الناس لونا، يقبل معا ويدبر معا، لم أر مثله ولم أسمع بمثله.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، ثنا أبو الحسن المحمودي المروزي، ثنا أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ، ثنا محمد بن المثنى، ثنا عثمان بن عمر، ثنا حرب بن سريج - صاحب الحلواني -، حدثني رجل بلعدر به، حدثني جدي قال: انطلقت إلى المدينة أذكر الحديث في رؤية رسول الله قال: فإذا رجل حسن الجسم، عظيم الجمة، دقيق الأنف، دقيق الحاجبين، وإذا من لدن نحره إلى سرته كالخيط الممدود، شعره ورأسه من طمرين، فدنا مني وقال: السلام عليك.