البداية والنهاية/الجزء السادس/فتح الأنبار معركة ذات العيون
ركب خالد في جيوشه فسار حتى انتهى إلى الأنبار وعليها رجل من أعقل الفرس وأسودهم في أنفسهم، يقال له: شيرزاذ، فأحاط بها خالد وعليها خندق وحوله أعراب من قومهم على دينهم، واجتمع
معهم أهل أرضهم فمانعوا خالدا أن يصل إلى الخندق فضرب معهم رأسا، ولما تواجه الفريقان أمر خالد أصحابه فرشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين، فتصايح الناس ذهبت عيون أهل الأنبار، وسميت هذه الغزوة ذات العيون، فراسل شيرزاذ خالدا في الصلح، فاشترط خالد أمورا امتنع شيرزاذ من قبولها، فتقدم خالد إلى الخندق فاستدعي برذايا الأموال من الإبل، فذبحها حتى ردم الخندق بها، وجاز هو وأصحابه فوقها، فلما رأى شيرزاذ ذلك أجاب إلى الصلح على الشروط التي اشترطها خالد، وسأله أن يرده إلى مأمنه فوفى له خالد بذلك، وخرج شيرزاذ من الأنبار، وتسلمها خالد فنزلها واطمأن بها، وتعلم الصحابة ممن بها من العرب الكتابة العربية، وكان أولئك العرب قد تعلموها من عرب قبلهم، وهم بنو إياد كانوا بها في زمان بختنصر حين أباح العراق للعرب، وأنشدوا خالدا قول بعض إياد يمتدح قومه:
قومي إياد لو أنهم أمم * أو لو أقاموا فتهزل النعم
قوم لهم باحة العراق إذا * ساروا جميعا واللوح والقلم
ثم صالح خالد أهل البوازيج، وكلواذي.
قال: ثم نقض أهل الأنبار ومن حولهم عهدهم لما اضربت بعض الأحوال، ولم يبق على عهده سوى البوازيج، وبانقيا.
قال سيف: عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب ابن أبي ثابت قال: ليس لأحد من أهل السواد عهد قبل الوقعة إلا بنو صلوبا، وهم أهل الحيرة، وكلواذي ذي، وقرى من قرى الفرات، غدروا حتى دعوا إلى الذمة بعد ما غدروا.
وقال سيف: عن محمد بن قيس، قلت للشعبي: أخذ السواد عنوة وكل أرض إلا بعض القلاع والحصون؟
قال: بعض صالح، وبعض غالب.
قلت: فهل لأهل السواد ذمة اعتقدوها قبل الحرب؟
قال: لا، ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج وأخذ منهم صاروا ذمة.