البداية والنهاية/الجزء السادس/ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة
في آخر أيام عثمان وخلافة علي رضي الله عنهما
ثبت في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد أن رسول الله ﷺ أشرف على أطم من آطام المدينة فقال: « هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر ».
وروى الإمام أحمد ومسلم من حديث الزهري عن أبي إدريس الخولاني سمعت حذيفة بن اليمان يقول: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما ذاك أن يكون رسول الله ﷺ حدثني من ذلك شيئا أسره إلي لم يكن حدث به غيري ولكن رسول الله ﷺ قال: - وهو يحدث مجلسا أنا فيه - سئل عن الفتن، وهو يعد الفتن فيهن ثلاث لا تذوق شيئا منهن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار.
قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري، وهذا لفظ أحمد.
قال البيهقي: مات حذيفة بعد الفتنة الأولى بقتل عثمان وقيل: الفتنتين الآخرتين في أيام علي.
قلت: قال العجلي وغير واحد من علماء التاريخ: كانت وفاة حذيفة بعد مقتل عثمان بأربعين يوما وهو الذي قال: لو كان قتل عثمان هدي لاحتلبت به الأمة لبنا ولكنه كان ضلالة فاحتلبت به الأمة دما.
وقال: لو أن أحدا ارتقص لما صنعتم بعثمان لكان جديرا أن يرقص.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن أمها أم حبيبة، عن زينب بنت جحش زوج النبي ﷺ قال سفيان: أربع نسوة، قالت: استيقظ النبي ﷺ من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول: « لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه » وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها.
قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟
قال: « نعم إذا كثر الخبث ».
هكذا رواه الأمام أحمد عن سفيان بن عيينة به.
وكذلك رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة وسعد بن عمرو والأشعثي وزهير بن حرب وابن أبي عمر كلهم عن سفيان بن عيينة به سواء.
ورواه الترمذي: عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وغير واحد، كلهم عن سفيان بن عيينة وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الترمذي: قال الحميدي: عن سفيان حفظت من الزهري في هذا الإسناد أربع نسوة.
قلت: وقد أخرجه البخاري عن مالك بن إسماعيل.
ومسلم: عن عمرو الناقد عن الزهري، عن عروة، عن زينب، عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش فلم يذكروا حبيبة في الإسناد.
وكذلك رواه عن الزهري شعيب وصالح بن كيسان، وعقيل ومحمد بن إسحاق، ومحمد ابن أبي عتيق، ويونس بن يزيد فلم يذكروا عنه في الإسناد حبيبة والله أعلم.
فعلى ما رواه أحمد ومن تابعه عن سفيان بن عيينة يكون قد اجتمع في هذا الإسناد تابعيان وهما: الزهري وعروة بن الزبير، وأربع صحابيات وبنتان وزوجتان وهذا عزيز جدا، ثم قال البخاري بعد رواية الحديث المتقدم: عن أبي اليمان عن شعيب، عن الزهري فذكره إلى آخره، ثم قال: وعن الزهري، حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة قالت: استيقظ رسول الله ﷺ فقال: « سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟! »
وقد أسنده البخاري في مواضع أخر من طرق: عن الزهري به.
ورواه الترمذي من حديث معمر: عن الزهري وقال: حسن صحيح.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا الصلت بن دينار، ثنا عقبة بن صهبان وأبو رجاء العطاردي قالا: سمعنا الزبير وهو يتلو هذه الآية: { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } [الأنفال: 25] .
قال: لقد تلوت هذه الآية زمنا وما أراني من أهلها فأصبحنا من أهلها، وهذا الإسناد ضعيف ولكن روي من وجه آخر فقال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا جرير قال: سمعت أنسا قال: قال الزبير بن العوام: نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع النبي ﷺ « واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ».
فجعلنا نقول: ما هذه الفتنة؟ وما نشعر أنها تقع حيث وقعت.
ورواه النسائي: عن إسحاق بن إبراهيم عن مهدي، عن جرير بن حازم به.
وقد قتل الزبير بوادي السباع مرجعه من قتال يوم الجمل على ما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقال أبو داود السجستاني في سننه: ثنا مسدد، ثنا أبو الأحوص سلام بن سليم عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سعيد بن زيد قال: كنا عند النبي ﷺ فذكر فتنة وعظم أمرها فقلنا: يا رسول الله لئن أدركتنا هذه لتهلكنا؟
فقال: « كلا إن بحسبكم القتل ».
قال سعيد: فرأيت إخواني قتلوا، تفرد به أبو داود.
وقال أبو داود السجستاني: حدثنا الحسن بن علي، ثنا يزيد أنا هشام عن محمد قال: قال حذيفة: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: « لا تضرك الفتنة » وهذا منقطع.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة عن أشعث ابن أبي أشعث سمعت أبا بردة يحدث عن ثعلبة ابن أبي ضبيعة سمعت حذيفة يقول: إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة، فأتينا المدينة فإذا فسطاط مضروب وإذا محمد بن مسلمة الأنصاري، فسألته فقال: لا أستقر بمصر من أمصارهم حتى تنجلي هذه الفتنة عن جماعة المسلمين.
قال البيهقي: ورواه أبو داود - يعني: السجستاني - عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة به.
وقال أبو داود: ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة عن أشعث بن سليم، عن أبي بردة، عن ضبيعة بن حصين الثعلبي، عن حذيفة بمعناه.
قال البخاري في التاريخ: هذا عندي أولى.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي بردة قال: مررت بالربذة فإذا فسطاط فقلت: لمن هذا؟
فقيل: لمحمد بن مسلمة فاستأذنت عليه فدخلت عليه فقلت: رحمك الله إنك من هذا الأمر بمكان فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت، فقال: إن رسول الله ﷺ قال: « إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف فإذا كان ذلك فأت بسيفك أحدا فاضرب به عرضه، وكسر نبلك، واقطع واترك واجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله » فقد كان ما قال رسول الله ﷺ وفعلت ما أمرني به.
ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط واخترطه فإذا سيف من خشب، فقال: قد فعلت ما أمرني به واتخذت هذا أرهب به الناس، تفرد به أحمد.
وقال البيهقي: أنا الحاكم، ثنا علي بن عيسى المدني، أنا أحمد بن بحرة القرشي، ثنا يحيى بن عبد الحميد، أنا إبراهيم بن سعد، ثنا سالم بن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عن أبيه، عن محمود بن لبيد، عن محمد بن مسلمة أنه قال: يا رسول الله كيف أصنع إذا اختلف المضلون؟
قال: « أخرج بسيفك إلى الحرة فتضربها به ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة ».
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا زياد بن مسلم أبو عمر، ثنا أبو الأشعث الصنعاني قال: بعثنا يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير فلما قدمت المدينة دخلت على فلان نسي زياد اسمه، فقال: إن الناس قد صنعوا ما صنعوا فما ترى؟
قال: أوصاني خليلي أبو القاسم إن أدركت شيئا من هذه الفتن فاعمد إلى أحد فاكسر به حد سيفك ثم أقعد في بيتك فإن دخل عليك أحد البيت فقم إلى المخدع فإن دخل عليك المخدع فاجثو على ركبتيك وقل: بؤ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين، فقد كسرت سيفي وقعدت في بيتي.
هكذا وقع إيراد هذا الحديث في مسند محمد بن مسلمة عند الإمام أحمد ولكن وقع إبهام اسمه وليس هو لمحمد بن مسلمة بل صحابي آخر فإن محمد بن مسلمة رضي الله عنه لا خلاف عند أهل التاريخ أنه توفي فيما بين الأربعين إلى الخمسين، فقيل: سنة اثنتين، وقيل ثلاث، وقيل سبع وأربعين، ولم يدرك أيام يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير بلا خلاف فتعين أنه صحابي آخر خبره كخبر محمد بن مسلمة.
وقال نعيم بن حماد في الفتن والملاحم: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة، ثنا أبو عمرو السلمي، عن بنت أهبان الغفاري أن عليا أتى أهبان فقال: ما يمنعك أن تتبعنا؟
فقال: أوصاني خليلي وابن عمك ﷺ أن ستكون فرقة وفتنة واختلاف فإذا كان ذلك فاكسر سيفك واقعد في بيتك واتخذ سيفا من خشب.
وقد رواه أحمد: عن عفان وأسود بن عامر ومؤمل ثلاثتهم، عن حماد بن سلمة به وزاد مؤمل في روايته بعد قوله: واتخذ سيفا من خشب واقعد في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة، أو منية قاضية.
ورواه الإمام أحمد أيضا، والترمذي، وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبيد الديلي: عن عديسة بنت أهبان بن صيفي عن أبيها به.
وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد كذا قال وقد تقدم من غير طريقه.
وقال البخاري: ثنا عبد العزيز الأويسي، ثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به ».
وعن ابن شهاب حدثني أبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود، عن نوفل ابن معاوية مثل حديث أبي هريرة.
هذا وقد روى مسلم حديث أبي هريرة من طريق إبراهيم بن سعد كما رواه البخاري، وكذلك حديث نوفل بن معاوية بإسناد البخاري ولفظه.
ثم قال البخاري: ثنا محمد بن كثير، أخبرني سفيان عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود، عن النبي ﷺ قال: « ستكون أثرة وأمور تنكرونها ».
فقالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟
قال: « تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ».
ورواه مسلم من حديث الأعمش به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، ثنا عثمان الشحام، ثنا سلمة ابن أبي بكرة عن أبي بكرة، عن رسول الله ﷺ أنه قال: « إنها ستكون فتنة ثم تكون فتنة ألا فالماشي فيها خير من الساعي إليها والقاعد فيها خير من القائم فيها ألا والمضطجع فيها خير من القاعد، ألا فإذا نزلت فمن كان له غنم فليلحق بغنمه، ألا ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، ألا ومن كانت له إبل فليلحق بإبله ».
فقال رجل من القوم: يا نبي الله جعلني الله فداك أرأيت من ليست له غنم ولا أرض ولا إبل كيف يصنع؟
قال: « ليأخذ سيفه ثم ليعمد به إلى صخرة ثم ليدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء اللهم هل بلغت ».
إذ قال رجل: يا رسول الله جعلني الله فداك أرأيت إن أخذ بيدي مكرها حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، أو إحدى الفئتين - شك عثمان - فيحذفني رجل بسيفه فيقتلني ماذا يكون من شأني؟
قال: « يبوء بإثمك وإثمه ويكون من أصحاب النار ».
وهكذا رواه مسلم من حديث عثمان الشحام بنحوه.
وهذا إخبار عن إقبال الفتن وقد وردت أحاديث كثيرة في معنى هذا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسماعيل، ثنا قيس قال: لما أقبلت عائشة - يعني: في مسيرها إلى وقعة الجمل - وبلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب فقالت: أي ماء هذا؟
قالوا: ماء الحوأب.
فقالت: ما أظنني إلا راجعة.
فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم.
قالت: إن رسول الله ﷺ قال لنا ذات يوم: « كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ »
ورواه أبو نعيم بن حماد في الملاحم: عن يزيد بن هارون عن أبي خالد، عن قيس ابن أبي حازم به.
ثم رواه أحمد: عن غندر عن شعبة، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس ابن أبي حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب فسمعت نباح الكلاب فقالت: ما أظنني إلا راجعة إن رسول الله ﷺ قال لنا: « أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب؟ »
فقال لها الزبير: ترجعين عسى الله أن يصلح بك بين الناس وهذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن عثمان بن كرامة، ثنا عبيد الله بن موسى عن عصام بن قدامة البجلي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: « ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأديب؟ تسير حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها خلق كثير ».
ثم قال: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد.
وقال الطبراني: ثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا نوح بن دراج عن الأجلح بن عبد الله، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن ابن الحسين، عن ابن عباس قال: لما بلغ أصحاب علي حين ساروا إلى البصرة أن أهل البصرة قد اجتمعوا لطلحة والزبير شق عليهم ووقع في قلوبهم فقال علي: والذي لا إله غيره ليظهرنه على أهل البصرة وليقتلن طلحة والزبير وليخرجن إليكم من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا، أو خمسة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا - شك الأجلح - قال ابن عباس: فوقع ذلك في نفسي فلما أتى الكوفة خرجت فقلت: لأنظرن فإن كان كما يقول فهو أمر سمعه وإلا فهو خديعة الحرب، فلقيت رجلا من الجيش فسألته فوالله ما عتم أن قال: ما قال علي.
قال ابن عباس: وهو ما كان رسول الله ﷺ يخبره.
وقال البيهقي: أنا عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد، ثنا أحمد بن نصر، ثنا أبو نعيم الفضل، ثنا عبد الجبار بن الورد عن عمار الذهبي، عن سالم ابن أبي الجعد، عن أم سلمة قالت: ذكر النبي ﷺ خروج بعض أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال لها: « انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت » ثم التفت إلى علي وقال: « يا علي إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها » وهذا حديث غريب جدا وأغرب منه ما رواه البيهقي أيضا عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق الصنعاني عن أبي نعيم، عن عبد الجبار بن العباس الشامي، عن عطاء بن السائب، عن عمر بن الهجيع، عن أبي بكرة قال: قيل له: ما يمنعك أن لا تكون قاتلت على نصرتك يوم الجمل؟
فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة قائدهم في الجنة » وهذا منكر جدا.
والمحفوظ ما رواه البخاري من حديث الحسن البصري: عن أبي بكرة قال: نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله ﷺ وبلغه أن فارس ملكوا عليهم امرأة كسرى.
فقال: « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ».
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن الحكم سمعت أبا وائل قال: لما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة يستنفرهم خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة لكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها.
ورواه البخاري: عن بندار عن غندر وهذا كله وقع في أيام الجمل، وقد ندمت عائشة رضي الله عنها على ما كان من خروجها على ما سنورده في موضعه وكذلك الزبير بن العوام أيضا، تذكر وهو واقف في المعركة أن قتاله في هذا الموطن ليس بصواب فرجع عن ذلك.
قال عبد الرزاق: أنا معمر عن قتادة قال: لما ولي الزبير يوم الجمل بلغ عليا فقال: لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى وذلك أن النبي ﷺ لقيهما في سقيفة بنى ساعدة فقال: « أتحبه يا زبير؟ »
فقال: وما يمنعني؟
قال: فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له؟
قال: فيرون أنه إنما ولى لذلك، وهذا مرسل من هذا الوجه.
وقد أسنده الحافظ البيهقي من وجه آخر فقال: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، ثنا أبو عمرو بن مطر، أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي الكوفي، ثنا منجاب بن الحرث، ثنا عبد الله بن الأجلح، ثنا أبي عن يزيد الفقير، عن أبيه قال: وسمعت فضل بن فضالة يحدث أبي عن أبي حرب ابن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير ودنت الصفوف بعضها من بعض خرج علي وهو على بغلة رسول الله ﷺ فنادى: إدعوا لي الزبير بن العوام فأتى علي فدعي له الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير ناشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله ﷺ مكان كذا وكذا فقال: « يا زبير تحب عليا؟ »
فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي، وعلى ديني؟
فقال: « يا علي أتحبه؟ »
فقلت: يا رسول الله ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني؟
فقال: « يا زبير أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له ».
فقال الزبير: بلى والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله ﷺ ثم ذكرته الآن والله لا أقاتلك.
فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف فعرض له ابنه عبد الله ابن الزبير فقال: مالك؟
فقال: ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله - ﷺ - سمعته وهو يقول: « لتقاتلنه وأنت ظالم له » فلا أقاتلنه.
فقال: وللقتال جئت؟ إنما جئت تصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر.
قال: قد حلفت أن لا أقاتله.
قال: فأعتق غلامك خير وقف حتى تصلح بين الناس فأعتق غلامه ووقف فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه.
قال البيهقي: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا الإمام أبو الوليد، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا قطن بن بشير، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا عبد الله بن محمد الرقاشي، ثنا جدي وهو عبد الملك بن مسلم عن أبي وجرة المازني قال: سمعت عليا والزبير وعلي يقول له: ناشدتك الله يا زبير أما سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إنك تقاتلني وأنت لي ظالم »؟
قال: بلى ولكني نسيت.
وهذا غريب كالسياق الذي قبله.
وقد روى البيهقي من طريق الهذيل بن بلال - وفيه ضعف - عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي، عن علي قال: قال رسول الله ﷺ: « من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان ».
قلت: قتل زيد هذا في وقعة الجمل من ناحية علي.
وثبت في الصحيحين من حديث همام بن منبه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة ».
ورواه البخاري أيضا عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مثله.
ورواه البخاري أيضا عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
وهاتان الفئتان هما أصحاب الجمل وأصحاب صفين فإنهما جميعا يدعون إلى الإسلام، وإنما يتنازعون في شيء من أمور الملك ومراعاة المصالح العائد نفعها على الأمة والرعايا، وكان ترك القتال أولى من فعله، كما هو مذهب جمهور الصحابة كما سنذكره.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو اليمان، ثنا صفوان بن عمرو قال: كان أهل الشام ستين ألفا فقتل منهم عشرون ألفا، وكان أهل العراق مائة وعشرين ألفا فقتل منهم أربعون ألفا، ولكن كان علي وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب معاوية وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم.
كما ثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: حدثني من هو خير مني - يعني: أبا قتادة - أن رسول الله ﷺ قال لعمار: « تقتلك الفئة الباغية ».
ورواه أيضا من حديث ابن علية عن ابن عون، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله ﷺ: « يقتل عمارا الفئة الباغية ».
وفي رواية: « وقاتله في النار ».
وقد تقدم الحديث بطرقه عند بناء المسجد النبوي في أول الهجرة النبوية وما يزيده بعض الرافضة في هذا الحديث من قولهم بعد: لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة فليس له أصل يعتمد عليه.
وقد روى البيهقي من حديث أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن مولاة لعمار قالت: اشتكى عمار شكوى أرق منها فغشي عليه فأفاق ونحن نبكي حوله فقال: ما تبكون أتخشون أن أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي ﷺ أنه تقتلني الفئة الباغية وأن آخر زادي من الدنيا مذقة لبن.
وقال الإمام أحمد: حدثني وكيع، ثنا سفيان عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي البختري قال: قال عمار يوم صفين: إئتوني بشربة لبن فإن رسول الله ﷺ قال: « آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن ».
فشربها ثم تقدم فقتل.
وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان، عن حبيب، عن أبي البختري أن عمار بن ياسر أتى بشربة لبن فضحك وقال: إن رسول الله ﷺ قال لي: « آخر شراب أشربه لبن حين أموت ».
وروى البيهقي من حديث عمار الدهني عن سالم ابن أبي الجعد، عن ابن مسعود سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق ».
ومعلوم أن عمارا كان في جيش علي يوم صفين وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام وكان الذي تولى قتله رجل يقال له: أبو الغادية رجل من أفناد الناس، وقيل: إنه صحابي.
وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر وغيره في أسماء الصحابة وهو أبو الغادية مسلم، وقيل: يسار بن أزيهر الجهني من قضاعة، وقيل: مزني وقيل: هما إثنان، سكن الشام ثم صار إلى واسط روى له أحمد حديثا وله عند غيره آخر.
قالوا: وهو قاتل عمار بن ياسر وكان يذكر صفة قتله لعمار لا يتحاشى من ذلك، وسنذكر ترجمته عند قتله لعمار أيام معاوية في وقعة صفين وأخطأ من قال: كان بدريا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، ثنا العوام، حدثني ابن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنزي قال: بينا أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما: أنا قتلته.
فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما لصاحبه نفسا: فإني سمعت النبي ﷺ يقول: « تقتله الفئة الباغية ».
فقال معاوية: ألا نح عنا مجنونك يا عمرو فما بالك معنا.
قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله ﷺ.
فقال: « أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه، فأنا معكم ولست أقاتل.
وقال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن الحرث بن نوفل قال: إني لأسير مع معاوية منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص.
فقال عبد الله بن عمرو: يا أبة أما سمعت رسول الله ﷺ يقول لعمار: « ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية ».
قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا؟
فقال معاوية: لا يزال يأتينا نهيه أونحن قتلناه؟ إنما قتله من جاءوا به.
ثم رواه أحمد: عن أبي نعيم عن الثوري، عن الأعمش، عن عبد الرحمن ابن أبي زياد فذكر مثله، فقول معاوية: إنما قتله من قدمه إلى سيوفنا تأويل بعيد جدا، إذ لو كان كذلك لكان أمير الجيش هو القاتل للذين يقتلون في سبيل الله حيث قدمهم إلى سيوف الأعداء.
وقال عبد الرزاق: أنا ابن عيينة، أخبرني عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة قال عمرو لعبد الرحمن ابن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ { وجاهدوا في الله حق جهاده } [الحج: 78] .
في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله؟
فقال عبد الرحمن بن عوف: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟
قال: إذا كان بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء.