سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/القرآن يحير ألباب العرب
تحيَّرت ألباب العرب في القرآن الذي نزل بلغتهم وهم أهل فصاحة وبلاغة، وخشيت قريش أن ينتشر الإسلام وينتصر النبي ﷺ بدينه على الأصنام، فاتفقوا على إطلاق اسم على رسول الله ﷺ ينفّر القبائل منه، ويشوّه سمعته، ويكون عقبة في سبيل نشر دعوته، ذلك أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسمُ فقال لهم: يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسمُ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذّب بعضكم بعضا، ويرد قولكم بعضه بعضا، فقالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأيا نقل به، قال: بل أنتم قولوا أسمع، قالوا: نقول كاهنا، قال: والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه، قالوا: فنقول مجنون، قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخَنقه ولا تخالجه ولا وسوسته، قالوا: فنقول شاعر، قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رَجَزَه، وهزَجه، وقريضه، مقبوضه، ومبسوطه فما هو بالشعر، قالوا: فنقول ساحر، قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السُّحار وسحرهم فما هو بنفْثه ولا عقده، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعَذْق، وإن فرعه لجنَاةٌ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عُرف أنه باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، والمرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر أحد إلا حذروه إياه، لكن النتيجة جاءت عكس ذلك فقد انتشر ذكره ﷺ في بلاد العرب.
وقد كان ضماد بن ثعلبة الأزدي صديقا للنبي ﷺ في الجاهلية، وكان رجلا يتطيب ويرقي ويطلب العلم، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون، فجاءه وقال: إني راق فهل بك من شيء فأرقيك؟ فأجابه ﷺ بقوله: «الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد»، فقال له ضماد: أعد عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن النبي ﷺ ثلاثا، فقال: والله لقد سمعت قول الكهنة، وسمعت قول السحرة، وسمعت قول الشعراء، فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات لقد بلغت ناعوس البحر فمد يدك أبايعك على الإسلام، فمد النبي ﷺ يده فبايعه وأسلم.
وهكذا أخفق مسعاهم وسقط إفكهم والحسود لا يسود، والكذب لا تقوم له قائمة فلا بد أن يسود الحق ويكتسح الباطل أمامه.