سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/خالد بن الوليد وإسلامه
خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو سليمان، وقيل أبو الوليد القرشي المخزومي أمه لبابة الصغرى وهي بنت الحارث بن حزن الهلالية وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي ﷺ وأخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب عم النبي ﷺ وهو بن خالة أولاد العباس بن عبد المطلب الذين من لبابة.
وكان أحد أشراف قريش في الجاهلية وكان إليه القبة وأعنة الخيل في الجاهلية، أما القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون الجيش، وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدم على خيول قريش في الحرب فكان رجلا حربيا فارسيا.
ولما أراد الإسلام قدم على رسول الله ﷺ هو وعمرو بن العاص وطلحة بن أبي طلحة العبدري فلما رآهم رسول الله ﷺ قال لأصحابه: رمتكم مكة بأفلاذ كبدها.
وقد تقدم أن ذكرنا في أمر الحديبية أن النبي ﷺ سار حتى انتهى إلى عسفان فلقيه بشر بن أبي سفيان الكعبي وقال: يا رسول الله هذه قريش قد سمعوا بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمر وقد نزلوا بذي طوى يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبدا وهذا خالد بن الوليد في خيل قريش قد قدموه إلى كراع الغميم.
قال خالد بن الوليد: لما أراد الله عز وجل بي ما أراد من الخير قذف في قلبي الإسلام وحضر لي رشدي وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد ﷺ فليس موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أني في غير شيء وأن محمدا يظهر، فلما جاء لعمرة القضية تغيبت ولم أشهد دخوله فكان أخي الوليد بن الوليد دخل معه فطلبني فلم يجدني فكتب إليّ كتابا فإذا فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك ومثل الإسلام يجهله أحد؟ قد سألني رسول الله ﷺ عنك فقال: أين خالد؟ فقلت: يأتي الله به، فقال: ما مثله يجهل الإسلام ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ولقدمناه على غيره فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة».
فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرتني مقالة رسول الله ﷺ ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة، فلما أجمعت على الخروج إلى المدينة لقيت صفوان بن أمية فقلت: يا أبا وهب أما ترى أن محمدا ظهر على العرب والعجم فلو قدمنا عليه واتبعناه فإن شرفه شرف لنا؟ فقال: لو لم يكن يبقى غيري ما اتبعته أبدا، فقلت: هذا رجل قُتل أبوه وأخوه ببدر، فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان فقال مثل الذي قال صفوان، قلت: فاكتم ذكر ما قلت لك، قال: لا أذكره، ثم لقيت عثمان بن طلحة الحجبي قلت: هذا لي صديق فأردت أن أذكر له ثم ذكرت قتل أبيه طلحة وعمه عثمان وإخوته الأربع مسافع والحلاس والحارث وكلاب فإنهم قُتلوا كلهم يوم أُحد فكرهت أن أذكر له ثم قلت له: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج، ثم قلت له ما قلت لصفوان وعكرمة فأسرع الإجابة وواعدني إن سبقني أقام بمحل كذا وإن سبقته إليه انتظرته، فلم يطلع الفجر حتى التقينا فعدونا حتى انتهينا إلى الهدة فوجدنا عمرو بن العاص بها، فقال: مرحبا بالقوم، فقلنا: وبك، قال: أين مسيركم؟ قلنا: الدخول في الإسلام، قال: وذلك الذي أقدمني، وفي لفظ: قال عمرو لخالد: يا أبا سليمان أين تريد؟ قال: والله لقد استقام الميسم وإن هذا الرجل لنبيّ فأذهب فأسلم فحتى متى؟ قال عمرو: وأنا والله ما جئت إلا لأسلم، فاصطحبنا جميعا.
فوصلوا المدينة وقال خالد: فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله ﷺ فلقيت أخي فقال: أسرع، فإن رسول الله ﷺ قد سُرَّ بقدومكم وهو ينتظركم فأسرعنا المشي فاطلعت عليه فما زال رسول الله ﷺ يبتسم حتى وقفت عليه فسلمت عليه بالنبوة فرد عليّ السلام بوجه طلق فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: «الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير»، قلت: يا رسول الله ادع الله لي يغفر تلك المواطن التي كنت أشهدها عليك، فقال ﷺ «الإسلام يجبّ ما كان قبله» وتقدم عثمان وعمرو فأسلما.
وكان عمرو بن العاص أسن منهما.
قال خالد بن الوليد: اعتمر رسول الله ﷺ فحلق رأسه فابتدر الناس شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة فلم أشهد قتالا وهي معي إلا تبين لي النصر، والأكثر على أنه مات بحمص سنة 21 وعمره بضع وثمانون سنة في خلافة عمر بن الخطاب.