سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/تجديد بناء الكعبة
سنة 605م
الكعبة هي بيت الله الحرام، وهو بناء مربع الشكل في وسط المسجد الحرام، بابه مرتفع على الأرض نحو قامة، وقد بنى الكعبة إبراهيم عليه السلام لعبادة الله، وهو رسول من أولي العزم أرسله الله إلى الكلدانيين في جنوب بابل وكانوا يعبدون النجوم والأوثان، ثم ترك إبراهيم قومه حين عصوه وهاجر إلى مدين وهناك أمره الله تعالى بالهجرة بولده إسماعيل، وأمه هاجر إلى بلاد العرب فقصدوا مكة ثم أمره الله ببناء الكعبة. قال السيد الإمام التقي الفاسي: بناء الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام الكعبة ثابت بالكتاب والسنّة، وروى الأزرقي في «تاريخه» عن ابن إسحاق أن الخليل عليه الصلاة والسلام لمّا بنى البيت جعل طوله في السماء تسع أذرع وجعل طوله في الأرض من قبل وجه البيت الشريف من الحجر الأسود إلى الركن الأسود إلى الركن الشامي اثنتين وثلاثين ذراعا وجعل عرضه في الأرض من قبل الميزاب من الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي يسمى الآن الركن العراقي اثنتين وعشرين ذراعا وجعل طوله في الأرض من جانب ظهر البيت الشريف من الركن الغربي المذكور اليماني إحدى وثلاثين ذراعا وجعل عرضه في الأرض من الركن اليماني إلى الحجر الأسود عشرين ذراعا، وجعل الباب لاصقا بالأرض غير مرتفع عنها ولا مبوّب حتى جعل لها تبع الحميري بابا.
ومقام إبراهيم عليه السلام بإزاء وسط البيت الذي فيه الباب، قال ياقوت في «معجم البلدان»: إن خصائص الكعبة كثيرة وفضائلها لا تحصى ولا يسع كتابنا هذا إحصاء الفضائل وليست أمة في الأرض إلا وهي تعظم ذلك البيت وتعترف بقدمه وفضله وأنه من بناء إبراهيم حتى اليهود والنصارى والمجوس والصابئة، وقد بقيت الكعبة على هيئتها من عمارة إبراهيم عليه السلام إلى أن بلغ النبي ﷺ خمسا وثلاثين سنة من عمره فخافت قريش أن تهدم لتصدع جدرانها بسيل دخلها بعد حريق أصابها وكانت رضما فوق القامة وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جُدة فتحطمت فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش فابتاعوا خشبها وأعدوه لتسقيفها، وكان بمكة نجار يدعى باقوم مولى سعيد بن العاص وصانع المنبر الشريف فأمروه أن يلي بناء الكعبة وكان ﷺ ينقل الحجارة معهم فلما بلغ البناء موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضع الحجر موضعه وأرادت كل قبيلة رفعه وتواعدوا للقتال ثم تشاوروا بينهم فجعلوا أول من يدخل من باب بني شيبة يقضي بينهم، فكان أول من دخل رسول الله ﷺ فلما رأوه، قالوا: هذا الأمين رضينا به، وأخبروه الخبر فوضع رسول الله ﷺ رداءه وبسطه على الأرض ثم أخذ الحجر فوضعه فيه ثم قال: «لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه»، ففعلوا فلما بلغوا موضعه، وضعه هو بيده الشريفة فرضوا بذلك وانتهوا عن الشرور، وكانت قريش تسمي رسول الله ﷺ قبل أن ينزل عليه الوحي الأمين، لوقاره وهديه وصدق لهجته وبعده عن الأدناس.
وفي كتاب «تهذيب الأسماء»: أن أول امرأة عربية كست الكعبة الحرير، نتيلة أم العباس وسببه أن العباس ضاع وهو صغير فنذرت إن وجدته أن تكسوها فوجدته ففعلت.