سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/تأثير خبر الإسراء في قريش
لما أصبح رسول الله ﷺ أخبر الناس بما رآه فصدقه الصدِّيق وكل من آمن به إيمانا قويا وارتد ناس ممن آمن به، وكذبه الكفار واستوصفوه مسجد بيت المقدس فوصفه لهم وسألوه عن أشياء في المسجد فمثل بين يديه فجعل ينظر إليه ويصفه ويعدّ أبوابه لهم بابا بابا فيطابق ما عندهم، وسألوه عن عير لهم فأخبرهم بها وبوقت قدومها فكان كما أخبر.
ويُروى أنه ﷺ لما رجع إلى مكة من ليلته أخبر بمسراه أم هانىء بنت أبي طالب أخت علي رضي الله عنه وأنه يريد أن يخرج إلى قومه ويخبرهم بذلك لأنه ما أحب أن يكتم قدرة الله وما هو دليل على علو مقامه ﷺ فتعلقت بردائه أم هانىء وقالت: أنشدك الله يا ابن عم ألا تحدث بها قريشا فيكذبك من صدقك فضرب بيده على ردائه فانتزعه منها، قالت: وسطع نور عند فؤاده كاد يخطف بصري فخررت ساجدة فلما رفعت رأسي فإذا هو قد خرج، قال: فقلت لجاريتي نبعة وكانت حبشية: اتبعيه وانظري ماذا يقول، فلما رجعت أخبرتني أن رسول الله ﷺ انتهى إلى نفر من قريش في الحطيم وفيهم مطعم بن عدي وأبو جهل بن هشام فأخبرهم بمسراه.
ولما قص رسول الله خبر الإسراء على جمع من قريش أعظموا ذلك الإسراء وصار بعضهم يصفق وبعضهم يضع يده على رأسه تعجبا - فلو كان الإسراء رؤيا منامية لما كانت مستغربة ولما أحدثت تلك الضجة وكذبه المسلمون اللهم إلا من كان منهم قوي العقيدة ثابت الإيمان - قال مطعم بن عدي: إن أمرك قبل اليوم كان أمرا يسيرا غير قولك اليوم، هو يشهد أنك كاذب، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا، أتزعم أنك أتيته في ليلة واحدة؟ واللات والعزى لا أصدقك وما كان هذا الذي تقول قط، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا مطعم بئس ما قلت لابن أخيك جبهته وكذبته أنا أشهد أنه صادق، وفي رواية: فسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: أتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة وروحة، فقال مطعم: يا محمد صف لنا بيت المقدس، فقال أبو بكر رضي الله عنه: صف لي يا رسول الله فإني قد جئته، فجاءه جبريل بصورته ومثاله فجعل يقول باب منه في موضع كذا وباب منه في موضع كذا، وأبو بكر رضي الله عنه يقول: أشهد أنك رسول الله حتى أتى على أوصافه.
وهذه هي الأحاديث الواردة في «صحيح البخاري» الخاصة بالإسراء مشروحة في الهامش شرحا موجزا نقلا عن القسطلاني:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «لما كذبني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه».