سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/غزوة حنين 10 شوال سنة 8 هـ
فبراير سنة 630 م
حُنينٍ وادٍ في طريق الطائف إلى جنب ذي المجاز بينه وبين مكة ثلاث ليال وتسمى غزوة أوطاس اسم لموضع كانت به الموقعة وهو واد في ديار هوازن، وتسمى الغزوة أيضا غزوة هوازن، وهوازن اسم قبيلة كبيرة من العرب فيها عدة بطون وكانت هذه الغزوة في 10 شوال سنة ثمان من الهجرة - فبراير سنة 630م -.
وسببها أن رسول الله ﷺ لما فتح مكة خافت أشراف هوازن وثقيف أن يسير إليهم ويغزوهم فعزموا على قتاله قبل أن يقاتلهم ويقال: إنهم كانوا يستعدون للقتال قبل فتح مكة وذلك حين سمعوا بخروج رسول الله من المدينة وهم يظنون أنه إنما يريدهم فأسندوا الرياسة والقيادة إلى مالك بن عوف أحد بني نصر وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة، فاجتمع إليه من القبائل جموع كثيرة منهم بنو سعد بن بكر وهم الذين كان رسول الله ﷺ مسترضعا فيهم ومعهم دُرَيد بن الصِّمَّة رئيس بني جُشَم وسيدهم وكان شجاعا مجربا لكنه كان شيخا بلغ مئة وعشرين سنة، وقيل: أكثر من ذلك، وقد عمي وصار لا ينتفع إلا برأيه وخبرته ومعرفته بالحروف، وكان قائد ثقيف كنانة بن عبد ياليل وقد أسلم بعد ذلك.
قوة العدو واستعداده
كان قائد هذا الجيش كما قلنا مالك بن عوف فأمرهم أن يسوقوا معهم إلى الحرب كل شيء: المواشي والأموال والنساء والأبناء كي يثبتوا ولا ينهزموا إلا أنهم اشترطوا عليه أن يأخذ برأي دريد بن الصمة لأنه شجاع وخبير بالحروب، فلما نزلوا بأوطاس قال دريد: ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء وخوار البقر؟ فقيل له: إن مالك بن عوف ساقهم إلى القتال، فاستدعاه فلما جاء سأله فقال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله يقاتل عنهم، فلم ير رأيه وأشار عليه برد الذرية والأموال فلم يقبل ورماه بضعف الرأي لكبر سنه، ثم أمر مالك بالخيل فجعلت صفوفا ثم جعل النساء فوق الإبل وراء المقاتلة صفوفا ثم جعل الإبل والبقر والغنم وراء ذلك كيلا يفروا ويقاتلوا عن مالهم ونسائهم وذراريهم، ثم قال للناس: إذا رأيتموني شددت عليهم شدوا عليهم شدة رجل واحد.
وكان جملة من اجتمع من بني سعد وثقيف 4000 وانضم إليهم من سائر العرب جموع كثيرة وكان مجموعهم كلهم نحو 30.000 مقاتل، وقيل: 20.000 وكانت هوازن رماة.
قوة جيش المسلمين واستعدادهم
كان مع النبي ﷺ 12.000 - منهم 10.000 الذين جاءوا معه من المدينة لفتح مكة و 2000 من الذين أسلموا في فتح مكة - فقال أبو بكر: «لا نغلب اليوم من قلة»، وقيل قالها غيره.
وذكروا لرسول الله عند عزمه على الخروج أن عند صفوان بن أمية دروعا وسلاحا فأرسل إليه فأعطاه مئة درع بما يكفيها من السلاح، وفي رواية 400 درع وسأله رسول الله أن يكفيهم حملها إلى موضع القتال ففعل، واستعار أيضا من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن عمه ﷺ 3000 رمح وقال: كأني أنظر إلى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين.
خرج رسول الله من مكة يوم السبت لست خلون من شوال سنة ثمان من الهجرة - 28 يناير سنة 630 م - وأهل مكة معه ركبانا ومشاة حتى النساء ومن لم يكمل إسلامه، استعمل رسول الله ﷺ عَتّاب بن أسيد بن العيص على مكة أميرا وكان شابا وترك مُعاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي يعلِّم الناس الأحكام والشرائع لأنه كان عالما بالقرآن ومتبحرا في الدين.
ترتيب صفوف المسلمين وتوزيع الرايات
ولما اقترب رسول الله ﷺ من مكان العدو رتب أصحابه وصفَّهم ووضع الألوية والرايات من المهاجرين والأنصار بالكيفية الآتية:
1 - عليّ بن أبي طالب - لواء المهاجرين.
2 - راية لسعد بن أبي وقّاص.
3 - راية لعمر بن الخطاب.
4 - الحباب بن المنذر - لواء الخزرج.
5 - أسيد بن حضير - لواء الأوس.
ورتَّب قبائل العرب ووزع عليهم الألوية والرايات ولبس رسول الله درعين والبيضة والمغفر وركب بغلته دُلْدُلْ وقدم سليما من يوم خرج من مكة واستعمل عليهم خالد بن الوليد فلم يزل في مقدمته حتى ورد الجعرانة.
جواسيس العدو
أرسل مالك بن عوف رئيس هوازن ثلاثة نفر من الجواسيس ينظرون إلى جيش المسلمين فرجعوا خائفين ونصحوا بالعودة فرماهم بالجبن وحبسهم عنده خوفا أن يشيعوا ذلك في جيشه فتثبط هممهم وتخور عزائمهم.
جاسوس المسلمين
وأرسل رسول الله ﷺ رجلا من أصحابه وهو عبد الله بن أبي حَدْرد الأسلمي وأمره أن يدخل في جيش العدو ويسمع منهم ما أجمعوا عليه فمكث يوما أو يومين، ثم أتى النبي ﷺ وأخبره أنه انتهى إلى خباء مالك بن عوف وعنده رؤساء هوازن فسمعه يقول لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل يوما قط قبل هذه المرة وإنما كان يلقي قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فيظهر عليهم فإذا كان السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا، ثم تكون الحملة منكم واكسروا أغماد سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف واحملوا حملة رجل واحد واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا.
القتال
لما كان رسول الله ﷺ بحنين وانحدر في الوادي وذلك عند غبش الصبح خرج عليهم القوم وكانوا قد كمنوا لهم في شعاب الوادي ومضايقه عملا بإشارة دريد بن الصمة فحمل عليهم المسلمون فانكشفوا ثم انشغلوا بالغنائم، وذلك يذكرنا بما حدث في غزوة أُحد فإنهم لما رأوا العدو ولّى هاربا انشغلوا عن الحرب بجمع الغنائم وفارق الرماة المكان الذي أمر النبي ﷺ بالبقاء فيه فانكشف المسلمون وكرَّ عليهم خالد بن الوليد.، الخ، وفي هذه الغزوة لما انشغل المسلمون بالغنائم استقبلهم العدو بالسهام فعادوا منهزمين لا يلوي أحد على أحد وانكشفت خيل بني سليم مولِّية وكانت مع النبي ﷺ وأصحابه فتبعهم أهل مكة والناس فانهزموا، وكانت هوازن رماة.
ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد ثبت رسول الله ﷺ كما ثبت في غزوة أُحُد وكان ثباته سببا في كسب الموقعة فإنه انحاز ذات اليمين ومعه نفر قليل منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلِيّ، والعباس وابنه الفضل، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه ﷺ وأسامة بن زيد، وربيعة والحارث بن عبد المطلب، وعتبة، ومعتب - ابنا أبي لهب -، وأيمن بن أم أيمن، واختلف في عدد من ثبت مع رسول الله، وقيل: إنهم لم يبلغوا مئة وكان رسول الله يركض وهو على بغلته نحو هوازن وهو يقول:
- أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن عبد المطلب -، ولم يقل: أنا ابن عبد الله لأن العرب كانت تنسبه إلى جده عبد المطلب لشهرته ولموت عبد الله في حياته.
وأخذ كفا من تراب فرماه في وجوه العدو قائلا: «شاهت الوجوه، فانهزموا»، وهذا الرمي وقع مثله في غزوة بدر وهو من معجزاته ﷺ
الانتصار بعد الهزيمة
لما ثبت رسول الله ﷺ ولم يبق معه إلا بعض أصحابه، قال لعمه العباس: أصرخ: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السَّمُرَة، وكان العباس عظيم الصوت، وفي رواية: قال له: ناد يا أصحاب البيعة يوم الحديبية، يا أصحاب سورة البقرة، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنَت على أولادها فأمرهم أن يصدقوا الحملة على العدو فاقتتلوا قتالا شديدا فنظر إلى قتالهم فقال: «الآن حمي الوطيس» فولى المشركون الأدبار والمسلمون يقتلون ويأسرون فيهم ويتبعون آثارهم وقتل بعض المسلمين ذرية العدو فنهاهم رسول الله ﷺ عن قتل الذرية وقال: «من قتل قتيلا فله سلبه»، وقُتل دريد بن الصمة فقتله ربيعة بن رفيع السلمي وجُرح خالد بن الوليد جراحات أثقلت به، فتفل النبي ﷺ في جرحه فبرىء، ولما وقعت الهزيمة أسلم الناس من كفار مكة وغيرهم.
غنائم المسلمين
كانت غنائم المسلمين كما يأتي:
أُسر من العدو خلق كثير، ومن النساء نحو 6000 وغَنِم المسلمون من الإبل 24000 بعير، ومن الغنم أكثر من 40000 شاة، ومن الفضة 4000 أوقية.
تقسيم الغنائم
بدأ رسول الله ﷺ بالأموال فقسمها وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب 40 أوقية من الفضة و 100 من الإبل وكذا ابناه يزيد ومعاوية، وأعطى حكيم بن حزام 100 من الإبل ثم سأله مئة أخرى فأعطاه إياها، وأعطى النضر بن الحارث بن كلدة 100 من الإبل وكذا أسيد بن جارية الثقفي والحارث بن هشام، وصفوان بن أمية، وقيس بن عدي، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، والأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن، ومالك بن عوف.
وأعطى العباس بن مرداس 40 من الإبل فقال في ذلك شعرا فأعطاه 100 من الإبل، وأعطى مخرمة بن نوفل 50 بعير وكذا العلاء بن حارثة وسعيد بن يربوع وعثمان بن وهب وهشام بن عمرو العامري، فبلغ ما أعطى ممن ذكروا 14850 من الإبل وأعطى ذلك كله من الخمس - قال ابن سعد وهو أثبت الأقاويل عندنا - ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم ثم فضها على الناس فكانت سهام كل رجل أربعا من الإبل وأربعين شاة فإن كان فارسا أخذ اثني عشر من الإبل و 120 شاة، وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم له.
مبدأ الشورى
قدم وفد هوازن على النبي ﷺ وهم أربعة عشر رجلا ورأسهم زهير بن صرد وفيهم أبو برقان عم رسول الله من الرضاعة وهو من بني سعد، وقد جاءوا مسلمين فسألوه أن يمن عليهم بالسبي، فرضي رسول الله ورضي المسلمون بما رضي به رسول الله وردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم ولم يختلف منهم أحد غير عيينة بن حصن وكان من الأعراب الجفاة فإنه أبى أن يرد عجوزا صارت في يده منهم ثم ردها بعد ذلك ووفد عليه ﷺ مالك بن عوف رئيس هوازن فرد عليه أهله وماله وأعطاه مئة من الإبل كما تقدم وأسلم وحسن إسلامه واستعمله رسول الله على من أسلم من قومه.
الغنائم والأنصار
لما رأت الأنصار ما أعطى رسول الله في قريش والعرب تكلموا في ذل وقالوا: حنَّ الرجل إلى أهله، فقال رسول الله: «يا معشر الأنصار أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟» قالوا: رضينا يا رسول الله بك حظا وقسما، فقال رسول الله: «اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار».
رجوع رسول الله ﷺ إلى المدينة
انصرف رسول الله ﷺ وكان قد انتهى إلى الجِعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة فأقام بها ثلاث عشرة ليلة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقين من ذي القعدة ليلا فأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق رأسه ورجع إلى الجعرانة من ليلته كبائت ثم غدا يوم الخميس حتى خرج على سَرِف ثم أخذ الطريق على مرّ الظهران ثم إلى المدينة.
ولقد أنزل الله تعالى في هذه الموقعة في سورة التوبة: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذلِكَ جَزَآء الْكَفِرِينَ} (التوبة: 25، 26).
وفي هذه الغزوة سُمِيَ طلحة بن عبيد الله «الجواد» لكثرة إنفاقه على العسكر، وقيل: سُمِّي «الفيَّاض».