سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/مرضعاته صلى الله عليه وسلم
أرضعته ﷺ من النساء ثمان وقيل أكثر، أولاهن أمه آمنة ثم ثويبة الأسلمية جارية عمه أبي لهب التي أعتقها حين بشرته بولادته أياما قبل قدوم حليمة، وخولة بنت المنذر وأم أيمن، وامرأة سعدية غير حليمة، وثلاث نسوة من العواتك.
وأكثرهن إرضاعا له حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وتكنَّى أم كبشة. وكان من عادة العرب إذا ولد لهم مولود أن يلتمسوا له مرضعة من غير قبيلتهم ليكون أنجب للولد وأفصح له، فجاءت نسوة من بني سعد إلى مكة يلتمسن الرضعاء ومعهن حليمة السعدية في سنة شديدة القحط، فكل امرأة أخذت رضيعا إلا حليمة وقد كانت تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها - الحارث بن عبد العزى - وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسن الرضعاء، قالت: وهي سنة شهباء لم تبق لنا شيئا، فخرجت على أتان لي قمراء معنا شارف لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا من صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع، ما في ثدييّ ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله ﷺ فتأباه إذا قيل لها: إنه يتيم وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده؟ فكنا نكرهه لذلك فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا فقلت لزوجي: والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، فقال: لا بأس عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة، فذهبت إليه فأخذته وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، فلما أخذته رجعت به إلى رحلي فلما وضعته في حجري أقبل على ثدييَّ بما شاء من لبن فشرب حتى رُوي وشرب معه أخوه حتى رُوي ثم ناما وما كنا ننام منه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا فإذا إنها لحافل فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا فبتنا بخير ليلة، وقال صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة، فقلت: والله إني لأرجو ذلك، ثم خرجنا وركبت أتاني وحملته عليها معي فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حُمُرهم حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب ويحك اربعي علينا أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله إنها لهي، فيقلن: والله إن لها شأنا، ثم قدمنا منازلنا في بلاد بني سعد وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح عليّ حين قدمنا به معنا شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعا وما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعا لبنا فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته فلم نزل بها حتى ردته معنا.