سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/حكمة تعدد الزوجات
إن الدين الإسلامي لما كان دينا عاما فقد أباح تعدد الزوجات قال تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآء مَثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوحِدَةً} (النساء: 3)، وذلك لضرورات اجتماعية وشخصية:
فأما الضرورات الاجتماعية، فهو نقص عدد الرجال عن النساء بسبب قتل الرجال في ميادين الحرب، هذا ولم يستطع رؤساء الحكومات ولا علماء الاجتماع ولا المصلحون ولا المؤتمرات الدولية منع الحروب، فقد نشبت الحرب العالمية وذهب ضحيتها الملايين من النفوس البشرية وها هي الأمم تستعد الآن للحرب أخذا بالثأر وطمعا في التوسع والاستعمار، وتنشىء الطيارات والأساطيل والمدافع وقد فشل مؤتمر نزع السلاح في مهمته.
ولا تزال القبائل في إفريقية وأمريكا وآسيا تشن الغارات ويقتل عدد كبير من رجالها ونتيجة هذه الحروب والغارات نقص عدد الرجال عن النساء نقصا يقدر بحسب فظاعتها.
ونقص الرجال عن النساء - خصوصا إذا كان النقص عظيما - ضار بالأمة من جملة وجوه منها نقص الثروة لقلة الأيدي العاملة، وضعف قوتها من الوجهة الحربية، وتعرضها لغارات المغيرين ومطامع الطامعين من الأمم القوية فلا يعيد مثل هذه الأمة التي أصيبت بنقص رجالها إلى قوتها وكثرة مواليدها إلا تعدد الزوجات.
وقد كتب العالم الإنجليزي هربرت سبنسر في كتاب «أصول علم الاجتماع»:
«إذا طرأ على الأمة حال اجتاحت رجالها بالحروب ولم يكن لكل رجل من الباقين زوجة واحدة وبقيت نساء عديدات بلا أزواج ينتج من ذلك نقص في عدد المواليد لا محالة ولا يكون عددهم مساويا لعدد الوفيات، فإذا تقابلت أمتان مع فرض أنهما متساويتان في جميع الوسائل المعيشية، وكانت إحداهما لا تستفيد من جميع نسائها بالاستيلاد فلا تستطيع أن تقاوم خصيمتها التي يستولد رجالها جميع نسائها وتكون النتيجة أن الأمة الموحدة للزوجات تفنى أمام الأمم المعدّدة للزوجات».
ثم إن زيادة عدد النساء بلا أزواج مدعاة لانتشار الفسق والفجور والفاقة، ولا شك أن إباحة تعدد الزوجات للقادرين عليه علاج لكل ما تقدم.
فأما الضرورات الشخصية، فمعلوم أن الزنا محرم شرعا فلو أن الإسلام حرم التعدد لضاقت السبل أمام المتديِّن الذي يعبد الله ويتبع أوامره ويجتنب نواهيه لأن هناك ظروفا شتى قاهرة تضطر الإنسان إلى الزواج بأكثر من امرأة واحدة نذكر منها:
1 - مرض الزوجة مرضا مزمنا يجعل الزوج ينفر منها بحيث يجعلها غير صالحة للملامسة والتمتع وليس لها من يعولها إذا طلقها ولا تستطيع الكسب ولا يمكن أن تتزوَّج بغيره فليس من المروءة والإنسانية طلاقها وليس من الحكمة منعه من التزوج لئلا يتعطل نسله أو تميل به الشهوات الطبيعية إلى الزنا، وقد حدث مثل ذلك بالضبط لأحد الصالحين وكان قاضيا بالمحاكم الأهلية رحمه الله تعالى فإنه بعد أن تزوج بمدة يسيرة أصيبت زوجته بالشلل فكانت حالتها منفّرة ولا تستطيع الحركة ولا تناول الطعام بيدها وليس لها من يعولها إذا طلقها بل يستحيل عليه ذلك لما جُبل عليه من المروءة والشفقة، ولما كان متمسكا بدينه تزوج غيرها بعد أن قرر الأطباء عدم شفائها وخصص لها خادمة وكان يخدمها بنفسه وقد طال مرضها وبقيت على هذه الحال إلى أن توفيت.
2 - امتناع الرجل عن الاتصال بزوجته مدة الوضع والنفاس وما ينالها بسبب ذلك من الآلام والضعف.
3 - جاذبية المرأة وجمالها وتأثيرها في الرجل مع قدرته على التعدد من الوجهة الجسمانية والمالية.
4 - بلوغ الزوجة سن الشيخوخة.
5 - عقم المرأة مع رغبة الرجل في الذرية.
6 - الرغبة في كثرة النسل رغبة في النفوذ والجاه.
7 - الأسباب الاقتصادية فإن النساء والأولاد يساعدون الرجل في عمله وهذا مشاهد في البلاد الزراعية كالقطر المصري، وقد يضطر الرجل أن يتزوج امرأة غنية بسبب سوء حالته الماليَّة.
وقد كان تعدد الزوجات شائعا عند العرب ولم يكن في الجاهلية قانون يحدد عدد الزوجات، وقد أسلم غيلان بن سلمة وتحته عشر نسوة فقال له رسول الله ﷺ «أمسك أربعا وفارق باقيهن».
قال الأستاذ جوستاف لوبون:
«إن تعدد الزوجات على مثال ما شرعه الإسلام من أفضل الأنظمة وأنهضها بأدب الأمة التي تذهب إليه وتعتصم به وأوثقها للأسرة عقدا وأشدها لآصرتها أزرا وسبيله أن تكون المرأة المسلمة أسعد حالا وأوجه شأنا وأحق باحترام الرجل من أختها الغربية».
وقال: «ولست أدري على أي قاعدة يبني الأوروبيون حكمهم بانحطاط ذلك النظام - نظام تعدد الزوجات - عن نظام التفرد عند الأوروبيين المشوب بالكذب والنفاق؟ على حين أرى هنالك أسبابا تحملني على إيثار نظام التعدد على ما سواه، وليس عجيبا بعد ذلك أن نرى الشرقيين الذين ينتجعون إلينا ويتنقلون بين مدائننا يحارون من قسوتنا في الحكم على نظام تعدد الزوجات فقال:
وقد حبَّذ شوبنهور الفيلسوف الألماني تعدد الزوجات فيهم:
«أما آن لنا أن نعد بعد ذلك تعدّد الزوجات ح سنة حقيقة لنوع النساء بأسره؟» قال ذلك بعد أن شرح مضار الاقتصار على زوجة واحدة فمما قال: «في مدينة لندرة وحدها ثمانون ألف بنت عمومية سفك دم شرفهن على مذبحة الزواج ضحية الاقتصار على زوجة واحدة ونتيجة تعنت السيدة الأوروبية وما تدعيه لنفسها من الأباطيل».
وقال: «إذا رجعنا إلى أصول الأشياء وحقيقتها لا نجد سببا يمنع الرجل من التزوج بثانية إذا أصيبت امرأته بمرض مزمن تألم منه أو كانت عقيما أو أصبحت على توالي السنين عجوزا».
إن الرجل المتزوج في الأمم المسيحية التي لا تبيح تعدد الزوجات، لا يقتصر في الحقيقة على امرأة واحدة بل نراه يتخذ كثيرا من الخليلات ويبيح لنفسه التمتع بمن أحب منهن، لكنه إذا أبدى رأيه أو كتب في موضوع الزواج طعن على تعدد الزوجات ورمى المسلمين بالهمجية والتعدي على حقوق الزوجة وزعم أنهم شهوانيون.
ولذلك قال الأستاذ لوبون عن نظام تفرد «الزوجة» بين الأوروبيين إنه: مشوب بالكذب والنفاق..، وصرح بذلك أيضا شوبنهور فقال:
«أين لنا بمن يقتصر حقيقة على زوجة واحدة، بل لا ننكر أننا في بعض أيامنا أو في معظمها كلنا أو جلنا نتخذ كثيرا من النساء».
على أن الشريعة الإسلامية كما هو واضح من نص القرآن الكريم لم تبح تعدد الزوجات، بلا قيد ولا شرط، بل اشترطت العدل، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوحِدَةً}، والمعنى فإن خفتم ألا تعدلوا بين هذه الأعداد كما خفتم ترك العدل فيما فوقها فاكتفوا بزوجة واحدة: {ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} (النساء: 3) والمعنى ذلك أقرب من ألا تعولوا أي لا تجوروا ولا تميلوا.
والذي يؤخذ من مجموع نصوص القرآن والسنّة أن الزوج يعتبر آثما إذا تزوج على امرأته لمجرد الإضرار بها، قال تعالى: {وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيّقُواْ عَلَيْهِنَّ} (الطلاق: 6).
فالإسلام لم يبح التعدد جزافا بل اشترط العدل، فكأنه في الحقيقة ضيّق حدود التعدد، فالذين يعددون الزوجات ويضربون صفحا عن هذا الشرط، هم في الحقيقة يخالفون الدين، فلا شأن لنا بهم، وفعلهم لا يؤخذ حجة على الدين.