سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/قتل هشام بن صبابة
قلنا: إن هشام بن صبابة قُتل خطأ أصابه رجل من الأنصار، فبينا الناس على ذلك الماء - المريسيع - وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يُقال له جهجاه بن سعيد يقود فرسه فازدحم جهجاه وسنان الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين، فغضب عبد الله بن أبيّ ابن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حديث السن فقال: أقد فعلوها قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما عدَوْنا وجلابيب قريش ما قال القائل: سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلّ»، ثم أقبل على من حضره من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوَّلوا إلى غير بلادكم، فسمع ذلك زيد بن أرقم وكان غلاما فمشى به إلى رسول الله ﷺ وذلك عند فراغ رسول الله ﷺ من عدوه، فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله مر به عباد بن بشر بن وقش فليقتله، فقال رسول الله ﷺ «فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه»؟ لا ولكن أذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله ﷺ يرتحل فيها، فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبيّ بن سلول إلى رسول الله ﷺ حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به، وكان عبد الله بن أبيّ في قومه شريفا عظيما فقال من حضر رسول الله ﷺ من أصحابه من الأنصار: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حَدَبا على عبد الله بن أبيّ ودفعا عنه، فلما استقل رسول الله ﷺ وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه تحية النبوة وسلم عليه، ثم قال: يا رسول الله لقد رحت في ساعة مبكرة ما كنت تروح فيها، فقال رسول الله ﷺ «أوَ ما بلغك ما قال صاحبكم؟» قال: وأي صاحب يا رسول الله؟ قال: «عبد الله بن أبيّ»، قال: وما قال؟ قال: «زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل»، قال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا.
ثم مَشَى رسول الله ﷺ بالناس يومهم ذلك حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس، فلم يكن إلا أن وجدوا مسّ الأرض وقعوا نياما. وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبيّ، ثم راح بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فُوَيقَ النقيع يقال له نقعاء، فلما راح رسول الله ﷺ هبَّت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها فقال رسول الله ﷺ «لا تخافوا فإنما هبَّت لموت عظيم من عظماء الكفار»، فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن ثابت ابن التابوت أحد بني قينقاع وكان من عظماء يهود وكهفا للمنافقين قد مات في ذلك اليوم ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في عبد الله بن أبيّ بن سلول ومن كان على مثل أمره فقال: {إِذَا جَآءكَ الْمُنَفِقُونَ} (المنافقون: 1) فبعث رسول الله إلى زيد بن أرقم وقرأ الآية عليه ثم قال له: إن الله قد صدقك.
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ الذي كان من أمر أبيه فأتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه؟ فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالده مني وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبيّ يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله ﷺ بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا.
وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر فقال: يا رسول الله جئتك مسلما وجئت أطلب دية أخي قتل خطأ، فأمر رسول الله ﷺ بدية أخيه هشام بن صبابة فأقام عند رسول الله ﷺ غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة مرتدا.