سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/حرب الفجار
(580 - 590)
أيام الفجار أربعة، فالفجار الأول كان بين كنانة وهوازن، والثاني بين قريش وكنانة، والثالث بين كنانة وبني نضر بن معاوية ولم يكن فيه كبير قتال، والفجار الأخير بين قريش وكنانة كلها وهوازن وكان بين هذا الأخير ومبعث النبي ﷺ خمس وعشرون سنة، وقد شهد النبي ﷺ الفجار الأخير وهو ابن خمس عشرة سنة وكان سببها أن النعمان بن المنذر أمير الحيرة بعث بلطيمة له إلى سوق عكاظ للتجارة وأجارها له عروة الرجال من بني هوازن فنزلوا على ماء يقال له أوراة، فوثب البرَّاض، خليع من بني كنانة على عروة فقتله وهرب إلى خيبر فاستخفى بها ولقي بشر بن أبي خازم الأسدي الشاعر فأخبره الخبر وأمره أن يعلم ذلك عبدالله بن جدعان وهشام بن المغيرة وحرب بن أمية ونوفل بن معاوية الديلي وبلعاء بن قيس، فوافى عكاظ فأخبرهم فخرجوا موائلين منكشفين إلى الحرم وبلغ قيسا الخبر آخر ذلك اليوم فقال أبو براء رئيس هوازن: ما كنا من قريش إلا في خدعة فخرجوا في آثارهم فأدركوا وقد دخلوا الحرم فناداهم رجل من بني عامر يقال له الأردم بن شعيب بأعلى صوته: إن ميعاد ما بيننا وبينكم هذه الليالي من قابل وأنا لا نأتلي في جمع.
ولم تقم تلك السنة سوق عُكَاظ فمكثت قريش وغيرها من كنانة وأسد بن خزيمة ومن لحق بهم من الأحابيش سنة يتأهبون لهذه الحرب وتأهبت قيس عيلان ثم حضروا من قابل ورؤساء قريش: عبد الله بن جدعان وهشام بن المغيرة وحرب بن أمية وأبو أحيحة سعيد بن العاص وعتبة بن ربيعة والعاص بن وائل ومعمر بن حبيب الجمحي وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وخرجوا متساندين ويقال بل أمرُهم إلى عبد الله بن جدعان وكان في قيس أبو براء عامر بن مالك بن جعفر وسبيع وربيعة بن معاوية النضري ودُريد بن الصِّمّة ومسعود بن معتب وأبو عروة بن مسعود وعوف بن أبي حارثة المري وعباس بن رعل السلمي، وهؤلاء هم الرؤساء والقادة، ويُقال: بل كان أمرهم جميعا إلى أبي براء وكانت الراية بيده وهو الذي سوَّى صفوفهم فالتقوا فكانت الدبرة (الهزيمة) أول النهار لقيس وكنانة على هوازن ومن ضوى إليهم، ثم صارت الدبرة آخر النهار لقريش وكنانة على قيس فقتلوهم قتلا ذريعا حتى نادى عتبة بن ربيعة يومئذ - وإنه لشاب ما كملت له ثلاثون سنة - إلى الصلح فاصطلحوا على أن يدوا القتلى وودت قريش لقيس ما قتلت فضلا عن قتلاهم ووضعت الحرب أوزارها فانصرفت قريش وقيس.
قال رسول الله ﷺ وذكر الفجار فقال: «قد حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم وما أحب أني لم أكن أفعل»، وقال رسول الله ﷺ «كنت أنبل على أعمامي» يعني أناولهم النبل.