سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/سرية أبو عبيدة بن الجراح
سمى البخاري هذه السرية بغزوة «سيف البحر» بكسر السين واشتهرت «بسريّة الخبط»، بعث رسول الله ﷺ في شهر رجب سنة ثمان (نوفمبر سنة 629 م) أبا عبيدة بن الجراح على رأس ثلاثمائة رجل، وكان فيهم عمر بن الخطاب إلى أرض جُهينة ليلقى عيرا لقريش ولمحاربة حيّ من جهينة، فنفد ما كان معهم من الزاد فأكلوا الخبط وهو ورق السلم وأصابهم جوع شديد، قال أهل السير: ثم أخرج الله لهم دابة من البحر تسمى العنبر وهي سمكة كبيرة فأكلوا منها.
وفي شعبان سنة ثمان (ديسمبر سنة 629 م) أرسل رسول الله ﷺ أبا قتادة رضي الله عنه إلى نجد ومعه خمسة عشر رجلا وأمره أن يشن الغارة على غطفان بأرض محارب فقاتلهم وسبى سبيا كثيرا واستاق النعم. وفي أول شهر رمضان من هذه السنة أرسل رسول الله ﷺ أبا قتادة أيضا إلى إضم على ثلاثة برد من المدينة في ثمانية رجال ليوهم قريشا أنه توجه إلى تلك الناحية بعد أن نقضت قريش العهد حتى يفاجئهم على غير استعداد منهم لحربه، خرج أبو قتادة ومن معه فلقوا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم عليهم بتحية الإسلام فقتله ملحم بن جثامة - واسمه يزيد بن قيس - لشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتاعه فلما قدموا على رسول الله ﷺ وأخبروه الخبر نزل فيهم القرآن: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنا} (النساء: 94) الآية.
والاختلاف في المراد بهذه الآية كثير جدا، قيل: نزلت في المقداد، وقيل: في غالب الليثي.
ثم إن أبا قتادة ومن معه لم يلقوا جمعا وبلغهم أنه ﷺ خرج من المدينة وتوجه إلى مكة فلحقوه بالسقيا فأخبروه الخبر، فسأله محلم أن يستغفر له، فقال: «لا غفر الله لك» زجرا، كيلا يتهاون الناس بقتل النفس المؤمنة، فقام محلم وهو يتلقى دموعه ببرديه فما مضت له سابعة من الليالي حتى مات، وذكر الطبري أن محلم بن جثامة توفي في حياة النبي ﷺ فدفنوه فلفظته الأرض مرة أخرى فأمر به فأُلقِيَ بين جبلين وجعل عليه حجارة وقال رسول الله ﷺ «إن الأرض لتقبل من هو أشهر منه ولكن الله أراد أن يريكم آية في قتل المؤمن».