سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/عبادة الأصنام والأوثان
الصنم ينحت من خشب ويصاغ من فضة ونحاس، والجمع أصنام، وقيل: هو ما كان له جسم أو صورة، فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن، قال ابن الأثير: الفرق بين الوثن والصنم أن الوثن كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي تعمل وتنصب فتعبد، والصنم: الصورة بلا جثة، ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين، قال: وقد يطلق الوثن على غير الصورة.
الوثنية ببلاد العرب ترجع إلى عهد بعيد جدا، قيل: إن إسماعيل بن إبراهيم لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثيرة حتى ملأوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق، ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد لالتماس المعاش.
وكان الذي حدا بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم وصبابة بمكة فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمُّنا منهم وصبابة بالحرم وحبا له، وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل.
ثم أدى بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم وانتجثوا ما كان يعبد قوم نوح منها على إرث ما بقي فيهم من ذكرها وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه.
وكان أول من غيَّر دين إسماعيل عليه السلام فنصب الأوثان وسيَّب السائبة ووصل الوصيلة وبَحَر البَحِيرة وحمى الحامية، عمرو بن ربيعة، وهو لُحَيّ بن حارثة بن عمرو بن عامر الأزدي وهو أبو خزاعة.
وكانت أم عمرو بن لحي فهيرة بنت عمرو بن الحارث.
وكان الحارث هو الذي يلي أمر الكعبة فلما بلغ عمرو بن لُحَيّ نازعه في الولاية وقاتل جرهما ببني إسماعيل فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة ونفاهم من بلاد مكة وتولى حجابة البيت بعدهم.
ثم إنه مرض مرضا شديدا، فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حمَّة إن أتيتها برأت فأتاها فاستحم بها فبرأ ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها ففعلوا فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة، وقيل: إنهم أعطوه صنما يقال له هُبل فقدم به مكة فوضعه عند الكعبة فكان أول صنم وضع بمكة.
قال ابن هشام: فحدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قال النبي ﷺ «رفعت لي النار فرأيت عَمرا (أي عمرو بن لُحَيّ) رجلا قصيرا أحمر أزرق يجر قُصبه في النار، قلت: من هذا؟ قيل: هذا عمرو بن لُحَيّ أول من بحر البحيرة ووصل الوصيلة وسيَّب السائبة وحمى الحامية وغيَّر دين إبراهيم ودعا العرب إلى عبادة الأوثان».
وقد جاء في القرآن ذكر الأصنام الخمسة التي كان يعبدها قوم نوح، قال تعالى: {قَالَ نُوحٌ رَّبّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارا وَمَكَرُواْ مَكْرا كُبَّارا وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّا وَلاَ سُوَاعا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيرا وَلاَ تَزِدِ الظَّلِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلا مّمَّا خَطِيئَتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَارا فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارا وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَفِرِينَ دَيَّارا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِرا كَفَّارا رَّبّ اغْفِرْ لِى وَلِولِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّلِمِينَ إِلاَّ تَبَارا} (نوح: 21 - 28).
ولم يرد ذكر هُبل في القرآن.
ويُقال: إن هذه الأصنام وجدها عمرو بن لُحَيّ في ساحل جُدة وفرقها فاتخذتها العرب آلهة.
ومن الأصنام المشهورة القديمة إساف ونائلة عبدتهما خزاعة وقريش ومن حج البيت بعدُ من العرب وكانوا ينحرون ويذبحون عندهما.
ومَنَاة كان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل بقُدَيْد بين مكة والمدينة وكانت العرب جميعا تعظمه وتذبح حوله ولم يكن أحد أشد إعظاما له من الأوس والخزرج، وقد ورد ذكر مناة في القرآن، قال تعالى: {وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الاْخْرَى} (النجم: 20).
وكانت لهذيل وخزاعة، وقد هدمها علي رضي الله عنه عند فتح مكة بأمر رسول الله ﷺ
والفِلس وهو صنم طيء هدمه عليّ رضي الله عنه بأمر رسول الله ﷺ
واللات (تأنيث الله) وهي أحدث من مناة وكانت صخرة مربعة وكانت قريش كلها تعظمها وهي بالطائف ذكرها الله في القرآن فقال: {أَفَرَءيْتُمُ اللَّتَ وَالْعُزَّى} (النجم: 19)، ولم تزل كذلك حتى أسلمت ثقيف فبعث رسول الله ﷺ المغيرة بن شعبة فهدمها وأحرقها بالنار، والطاغية هي اللات كانوا يقولون لها الربة، وجاء في «قاموس الإسلام»: «أن هيرودوت لم يشر إلى الكعبة لكنه ذكر اللات وقال إنها من أعظم آلهة العرب وهذا دليل قوي على وجود ذلك الصنم المسمى باللات وقد كان من معبودات ذلك الزمن».
ومن أصنامهم العُزى (تأنيث الأعز) والأعز بمعنى العزيز ويقال: إنها أحدث من اللاة ومناة، كانت بوادي نخلة الشآمية وكانت أعظم الأصنام عند قريش وكانوا يزورونها ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح.
قال ابن حبيب: العزى شجرة كانت بنخلة عندها وثن تعبده غَطَفَان، وفي التنزيل: {أَفَرَءيْتُمُ اللَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الاْخْرَى} (النجم: 19، 20).
ولم تزل العزى كذلك حتى بعث الله نبيه ﷺ فعابها وغيرها من الأصنام ونهاهم عن عبادتها ونزل القرآن فيها فاشتد ذلك على قريش، ومرض أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف مرضه الذي مات فيه فدخل عليه أبو لهب فوجده يبكي فقال له: ما يبكيك يا أبا أحيحة؟ أمن الموت تبكي ولا بد منه؟ فقال: لا ولكني أخاف ألا تعبد (العزى) بعدي فقال له أبو لهب: ما عبدت في حياتك لأجلك ولا تترك عبادتها بعدك لموتك، فقال أبو أحيحة: الآن علمت أن لي خليفة. وأعجبه شدة نصبه في عبادتها، وتدل القصة على شدة التمسك بعبادة الأصنام، وكان بعضهم يعبد الملائكة وكانوا يقولون: الملائكة بنات الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَئِكَةَ تَسْمِيَةَ الاْنثَى} (النجم: 27).
فلما افتتح النبي ﷺ مكة، بعث خالد بن الوليد فهدم العزى، وكانت لقريش أصنام حول الكعبة وفي جوفها وكان أعظمها عندهم هُبل، قيل: إنه كان من عقيق أحمر على صورة الإنسان مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك فجعلوا له يدا من ذهب وكان أول من نصبه خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر؛ وكان يقال له هُبل خزيمة، وعنده ضرب عبد المطلب على ابنه عبد الله بالقداح، ومن الأصنام التي كانت عند الكعبة إساف ونائلة فلما ظهر رسول الله ﷺ يوم فتح مكة أخرجت من المسجد وأحرقت وكان يبلغ عددها 360 صنما، ومن أصنامهم مناف.
وكان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به وإذا قدم من سفره، كان أول ما يصنع الرجل إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضا وكانوا يسمون الحجارة التي ينصبونها حول الحرم «الأنصاب».
ومن أصنامهم: ذو الخَلَصة وسعد وذو الكفين وذو الشرى والأقيصر وسعير وعميانس والأسحم والأشهل وأوال وباجر والبجة والبعيم وبلج وبوانة وتيم وجريش، وعبدة الأصنام ينكرون بعث الأجساد، وكان من العرب من يعتقد التناسخ وتنقل الأرواح في الأجساد وكانوا يعتقدون وقوع المسخ ونسبوا أكثر الأمراض إلى الجن وعبدها بعضهم. ومن هذا يرى أن آلهة العرب كانت متعددة.