سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/تحريم الخمر الإصلاح الاجتماعي العظيم
قال جماعة من الصحابة: يا رسول الله، أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال فنزل فيها قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَفِعُ لِلنَّاسِ} (البقرة: 219)، فشربها قوم لوجود النفع وتركها آخرون لوجود الإثم، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناسا فشربوا وسكروا فقام بعضهم يصلي المغرب وهو سكران فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون فخلط في القراءة، فنزل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلَوةَ وَأَنتُمْ سُكَرَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} (النساء: 43)، فقلّ شاربوها، ثم اجتمع قوم من الأنصار وفيهم سعد بن أبي وقاص فلما سكروا افتخروا وتناشدوا الأشعار حتى أنشد سعد شعرا فيه هجاء للأنصار فضربه أنصاري بلحي بعير فشجه شجّة موضحة فشكا إلى رسول الله ﷺ فقال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب بالعقل والمال فنزل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} (المائدة: 90، 91)، فقال عمر: انتهينا يا رب، وكفَّ الناس عن شربها، وحُرّمت الخمر بالمدينة.
والحكمة في تحريم الخمر تدريجيا على الترتيب أن القوم كانوا ألفوا شربها وكان انتفاعهم بذلك عظيما فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم.
روى أبو داود في سننه عن الشعبي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة: من العنب والتمر والحنطة والشعير والذرة، قال الخطابي: وتخصيص الخمر بهذه الأشياء الخمسة ليس لأجل أن الخمر لا يكون إلا من هذه الخمسة بأعيانها وإنما جرى ذكرها خصوصا لكونها معهودة في ذلك الزمان، والخمر التي حرّمها الشارع هي ما خامر العقل أو ستره، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «أما بعد أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير»، والخمر ما خامر العقل (البخاري).
روى أبو داود عن جابر بن عبدالله قال رسول الله ﷺ «ما أسكر كثيره فقليله حرام»، وقالت عائشة: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق؛ فملء الكف منه حرام»، ونهى رسول الله عن كل مسكر ومفتر، والمفتر كل شراب يورث الفتور والتخدير في الأعضاء.
عن ديلم الحميري قال: سألت النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا، قال: «هل يسكر؟» قلت: نعم، قال: «فاجتنبوه»، قلت: فإن الناس غير تاركيه، قال: «فإن لم يتركوه فقاتلوهم».
فالشريعة الإسلامية أول شريعة حرّمت الخمر تحريما باتّا لما في شربها من شرور وآثام ومضرات خلقية وجسمانية ومالية وقد حدّ رسول الله والخلفاء بعده شاربيها، لكنها مع ذلك منتشرة في بلادنا الإسلامية، وتجبي الحكومات رسوما على الخمر كسائر التجارات.
حد الخمر
عن أنس رضي الله عنه قال: ضرب النبي ﷺ في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين، وفي رواية للترمذي: أتى رسول الله ﷺ برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدة نحو أربعين، وفعله أبو بكر.
وقد حرّمت الخمر في السنة الرابعة من الهجرة أثناء غزوة بني النضير.
وحرّم بعض الناس الخمر في الجاهلية، وقيل: إن أول من حرّمها الوليد بن المغيرة، وقيل: قيس بن عاصم السعدي ومنهم مقيس بن صبابة السهميّ عبد المطلب وأبو طالب وقصيّ بن كلاب وورقة بن نوفل وشيبة بن ربيعة وغيرهم.
وقد انتشرت المسكرات في بلاد المسلمين وراجت تجارتها حتى دخلت القرى، وضعف رجال الدين عن إبطالها واقتصروا على الوعظ والإرشاد ولم نرَ منهم حركة اجتماعية قوية لحمل الحكومات على سنّ قانون التحريم حتى تعجّب الغربيون من إباحة المسكرات في بلاد يدين أهلها بالإسلام الذي يعتبر الخمر رجسا من عمل الشيطان فاللهم هبنا شجاعة وقوة وإقداما ووفق الحكومات الإسلامية إلى العمل بتعاليم دينهم القويم.