سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/بدء إسلام الأنصار بيعة العقبة الأولى
إسلام سعد بن معاذ
عدلخرج رسول الله ﷺ يعرض نفسه على قبائل العرب وحجاجهم كما كانت عادته كل موسم، فبينما هو عند العقبة التي تضاف إليها الجمرة فيقال: جمرة العقبة، وهي على يسار القاصد منىً من مكة إذ لقي رهطا من الأوس والخزرج كانوا يحجون من العرب، وهما قبيلتان مشهورتان عظيمتان من العرب في يثرب وقد لقبهم رسول الله بالأنصار لما هاجر إليهم ومنعوه ونصروه، وكان الذين لقيهم ﷺ من الخزرج هم أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث ويعرف بابن عفراء، وهما من بني النجار، ورافع بن مالك بن العجلان وعامر بن عبد حارثة وهما من بني زريق، وقطبة بن عامر بن حديدة من بني سلمة، وعقبة بن عامر بن نابىء من بني غنم، وجابر بن عبد الله بن رباب من بني عبيدة، فعرض النبي عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فقبلوا ذلك منه وأثر في قلوبهم وكان اليهود مع الأوس والخزرج بالمدينة وكانوا أهل كتاب والأوس والخزرج أهل شرك وأوثان، وكانوا إذا كان بينهم شيء تقول اليهود: إن نبيا سيبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم يصفونه بصفاته لهم، فلما قدموا المدينة ذكروا لقومهم النبي ﷺ ودعوهم إلى الإسلام فأسلم كثيرون منهم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا وذلك سنة اثنتي عشرة من النبوة (621 م) فلقوه بالعقبة فبايعوه بيعة النساء، وسُميت بذلك لأنها كانت على الأمور التي ورد ذكرها في سورة الممتحنة خاصة ببيعة النساء وهي هذه الآية: {يأَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَآءكَ الْمُؤْمِنَتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلْدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الممتحنة: 12).
وبعد أن تمت هذه البيعة بعث ﷺ معهم مصعب بن عُمَيْر بن هاشم إلى المدينة يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام وكان يُسمَّى مصعب بالمدينة المقرىء، فأسلم على يده سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وكان سعد من أجلّ رؤسائهم ثم فشا فيهم الإسلام في المدينة، وقال سعد لما أسلم لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تسلموا فأسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام، وشهد بدرا، لم يختلفوا فيه وشهد أحدا والخندق وفيها أصيب بسهم وهو الذي حكم على بني قريظة بالقتل كما سيأتي، وبعد أن حكم عليهم انفجر عرقه فاحتضنه رسول الله فجعلت الدماء تسيل على رسول الله، فجاء أبو بكر وقال: وانكسار ظهره فقال له النبي ﷺ «مه»، فقال عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولما دفنه رسول الله وانصرف من جنازته، جعلت دموعه تحادر على لحيته ويده في لحيته ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف، وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت - وهو صيفي - وكان شاعرا لهم وقائدا يسمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام ولم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة.