سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/زواج فاطمة بنت رسول الله سنة 2هـ
فاطمة بنت رسول الله ﷺ هي سيدة نساء العالمين ما عدا مريم ابنة عمران صلى الله عليهما، أمها خديجة بنت خويلد، وكانت تُكنى أم أبيها وكانت أحب الناس إلى رسول الله ﷺ زوَّجها رسول الله ﷺ من عليّ بعد أن ابتنى لعائشة بأربعة أشهر ونصف، وابتنى بها بعد تزويجه إياها بسبعة أشهر ونصف وكانت سنّها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، وانقطع نسل رسول الله ﷺ إلا منها فإن الذكور من أولاده ماتوا صغارا.
خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله فأبى عليهما، فقال عمر: أنت لها يا عليّ، فقال: ما لي من شيء إلا درعي أرهنها، فزوجه رسول الله ﷺ فاطمة، فلما بلغ ذلك فاطمة بكت، فدخل عليها رسول الله فقال: «ما لَكِ تبكين يا فاطمة؛ فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علما وأفضلهم حلما وأوّلهم سلما».
وعن عليّ رضي الله عنه قال: خُطبت فاطمة إلى رسول الله ﷺ فقالت لي مولاة لي: هل علمت أن فاطمة خطبت إلى رسول الله ﷺ قلت: لا، قالت: فقد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله ﷺ فيزوجك، قلت: وهل عندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله ﷺ زوجك، فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله ﷺ وكانت لرسول الله ﷺ جلالته وهيبته فلما قعدت بين يديه أقحمت فوالله ما أستطيع أن أتكلم، فقال: «ما جاء بك»؟ فسكت، فقال: «لعلك جئت تخطب فاطمة؟» قلت: نعم، قال: «وهل عندك من شيء تستحلها به؟» فقلت: لا والله يا رسول الله، فقال: «ما فعلت بالدرع التي سلحتكها؟» فقلت: عندي، والذي نفس عليّ بيده إنها لحُطَميَّة ما ثمنها أربعمائة درهم، قال: «قد زوجتك فابعث بها فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله ﷺ.
وقال رسول الله ﷺ لعليّ ليلة البناء بفاطمة: «لا تحدثن شيئا حتى تلقاني»، فدعا رسول الله ﷺ بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على عليّ وقال: «اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما».
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم: أن رسول الله ﷺ كان يغار لبناته غيرة شديدة، كان لا يُنكح بناته على ضرة.
وعن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول وهو على المنبر: «إن بني هشام ابن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد عليّ بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنها بضعة مني، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها».
أمر رسول الله ﷺ أن يجهزوا فاطمة، فجُعل لها سرير مشروط ووسادة من أدم حشوها ليف وأرسل رسول الله ﷺ أسماء بنت عميس فهيأت البيت فصلى العشاء وأرسل إلى فاطمة رضي الله عنها فجاءت مع أم أيمن بركة الحبشية مولاته ﷺ حتى قعدت في جانب البيت وعليُّ رضي الله عنه في جانب آخر ثم جاء رسول الله ﷺ بعدما صلى العشاء الآخرة فقال: «أها هنا أخي»؟ قالت أم أيمن: أخوك وقد زوجته ابنتك؟ قال: «نعم، إي هو كَأخي في المنزلة والمؤاخاة فلا يمتنع عليَّ تزويجي إياه بنتي»، ودخل ﷺ وقال لفاطمة رضي الله عنها: «ائتني بماء»، فقامت تعثر في ثوبها من الحياء إلى قعب في البيت، فأتت فيه بماء فأخذه ومج فيه - أي وضعه في فمه ورمى به في القعب، والقعب إناء ضخم كالقصعة - ثم قال لها: «تقدمي»، فتقدمت، فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال: «اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم»، ثم قال: «أدبري»، فأدبرت فصب بين كتفيها، ثم فعل مثل ذلك بعليّ، ثم قال له: «ادخل بأهلك باسم الله والبركة»، وكان مهرها رضي الله عنها 400 درهم فضة، وخرّ عليّ رضي الله عنه ساجدا شكرا لله تعالى.
وكانت وليمة عليّ رضي الله عنه آصعا من شعير وتمر وحَيْس - وهو تمر يخلط بسمن - وقيل: أولم بكبش من سعد وآصع من ذرة من عند جماعة من الأنصار، وكان فرشهما ليلة عرسهما جلد كبش، وكانت سن عليّ يومئذ 21 سنة وخمسة أشهر.
وتُلقب فاطمة بالبتول لانقطاعها عن الدنيا، ولدت لعليّ الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم، كانت مشيتها مشية رسول الله كما قالت عائشة، وتوفيت فاطمة بعد رسول الله بستة أشهر وهذا أصح ما قيل، وما رؤيت ضاحكة بعد وفاته ﷺ حتى لحقت بالله تعالى وكانت أول أهله لحوقا به وهي أول من غُطيَ نعشها في الإسلام وأوصت أن تُدفن ليلا، قيل: توفيت لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة وكان عمرها 29 سنة، وقيل: 30 رحمها الله تعالى.