سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/عمر بن الخطاب وسبب إسلامه
عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى وأمه حنتمة بنت هاشم، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، رُوي عن عمر أنه قال: ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين ويوافق مولده سنة 581 م، وكان مديد القامة، تاجرا مشهورا من أشراف قريش، وكانت إليه السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشا إذا وقعت بينهم حرب أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيرا، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به وبعثوه منافرا ومفاخرا، ولما بعث رسول الله ﷺ كان شديدا عليه وعلى المسلمين، وقد ذكرنا أنه كان يعذب جارية بني مؤمل لإسلامها فاشتراها أبو بكر وأعتقها.
إسلامه رضي الله عنه
عن ابن عباس أنه قال: «أسلم مع رسول الله ﷺ تسعة وثلاثون رجلا وامرأة، ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين»، ورُوي أن النبي ﷺ قال: «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام» يعني أبا جهل.
وحكى عمر عن سبب إسلامه فقال:
كنت من أشد الناس على رسول الله ﷺ فبينا أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقيني رجل من قريش فقال: أين تذهب يا ابن الخطاب أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك؟ قال: قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد صبأت، قال: فرجعت مغضبا، وقد كان رسول الله ﷺ يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة فيكونان معه ويصيبان من طعامه، وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين فجئت حتى قرعت الباب، فقيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، وكان القوم جلوسا يقرأون في صحيفة معهم، فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا وتركوا أو نسوا الصحيفة من أيديهم فقامت المرأة ففتحت لي، فقلت: يا عدوة نفسها قد بلغني أنك صبأت، قال: فأرفع شيئا في يدي فأضربها به فسال الدم فلما رأت المرأة الدم بكت ثم قال: يا ابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد أسلمت، فدخلت وأنا مغضب فجلست على السرير فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت، فقلت: ما هذا الكتاب؟ أعطنيه - وكان عمر كاتبا - فقالت: لا أعطيك، لست من أهله، أنت لا تغتسل من الجنابة ولا تتطهر وهذا لا يمسه إلا المطهرون، قال: لم أزل بها حتى أعطتنيه - بعد أن اغتسل - فإذا فيه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة: 1)، فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت ورميت بالصحيفة من يدي ثم رجعت إليّ نفسي فإذا فيها: {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى السَّمَوتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحديد: 1)، قال: فكلما مررت باسم من أسماء الله عز وجل ذعرت ثم ترجع إليّ نفسي حتى بلغت: {ءامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} حتى بلغت إلى قوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (الحديد: 7، 8)، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فخرج القوم يتبادرون بالتكبير استبشارا بما سمعوه مني وحمدوا الله عز وجل، ثم قالوا يا ابن الخطاب أبشر فإن رسول الله ﷺ دعا يوم الاثنين فقال: «اللهم أعز الإسلام بأحد الرجلين إما عمرو بن هشام وإما عمر بن الخطاب»، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله ﷺ لك فأبشر، قال: فلما عرفوا مني الصدق قلت لهم: أخبروني بمكان رسول الله ﷺ فقالوا: هو في بيت في أسفل الصفا وصفوه، فخرجت حتى قرعت الباب قيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وقد عرفوا شدتي على رسول الله ﷺ ولم يعلموا بإسلامي فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب، فقال رسول الله ﷺ «افتحوا له فإنه إن يرد الله به خيرا يهده»، ففتحوا لي وأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي ﷺ فقال: «أرسلوه»، فأرسلوني فجلست بين يديه فأخذ بمجمع قميصي فجبذني إليه ثم قال: «أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده»، قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فكبّر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة.
وكان إسلام عمر في السنة السادسة من النبوة، وكان في السادسة والعشرين من عمره بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام، وسماه رسول الله الفاروق لأنه لما أسلم قال لرسول الله: ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟ قال: «بلى، والذي نفسي بيده إنكم لعلى الحق إن متم أو حييتم»، قال: فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر حتى دخلنا المسجد فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبها مثلها، فسمَّاني رسول الله ﷺ الفاروق، وفرق بين الحق والباطل. قال عمر رضي الله عنه: لما أسلمت تلك الليلة تذكرت أيّ أهل مكة أشد لرسول الله ﷺ عداوة حتى آتيه فأخبره أني أسلمت، قال: قلت: أبو جهل، فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه فخرج إليّ أبو جهل، فقال: مرحبا ما جاء بك؟ قال: جئت لأخبرك أني آمنت بالله وبرسوله محمد وصدقت بما جاء به، فضرب الباب في وجهي وقال: قبّحك الله وقبّح ما جئت به، فكان إسلام عمر ضربة قاضية على أبي جهل.
ولا شك أن عمر رضي الله عنه قد أسلم لما قرأ آي الذكر الحكيم مع أنه كان قبل إسلامه يعذب جارية بني مؤمل لإسلامها أشد العذاب بلا رحمة ولا شفقة ولا يتركها إلا إذا ملّ وكلّ، وهذا يدل على أنه كان شديد البغض للإسلام، شديد التعصب لدينه، وقد تعدى على أخته وشجها، ولم يكن أحد يتصور أن صاحب هذا الخلق الشديد الحانق على الإسلام والمسلمين والمعتدي على الرجال والنساء بالتعذيب والضرب يسلم بمجرد قراءته آي القرآن، نعم لم يكن أَحد يتصور ذلك لكن لما كان القرآن ليس كلام البشر بل كلام الله سبحانه وتعالى كان له تأثير عجيب في النفوس، ولا بد أن سامعه يرق قلبه مهما كان قاسيا، لذلك لم يسع عمر بن الخطاب هذا العربي الصميم إلا الاعتراف بأن ما تلاه هو كلام الله سبحانه وتعالى وليس في استطاعة البشر الإتيان بمثله فصدق بما جاء به محمد ﷺ وإن في ذلك لعبرة لأولي الألباب، وعمر رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين وقد ضرب المثل الأعلى بعدله وزهده.
قال عليّ رضي الله عنه: ما علمت أحدا هاجر إلا مختفيا إلا عمر بن الخطاب فإنه لما همَّ بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يده سهما، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها فطاف سبعا ثم صلى ركعتين عند المقام ثم أتى حلقهم واحدة واحدة وقال: شاهت الوجوه، من أراد أن تثكله أمه وييتّم ولده وترمل زوجته فليلحقني وراء هذا الوادي.
فما تبعه أحد منهم.
ومن مناقب عمر بن الخطاب العظيمة رضي الله عنه أن الوحي نزل على وفق قوله في آيات كثيرة منها:
1 - آية أخذ الفداء عن أسارى بدر.
2 - آية تحريم الخمر.
3 - آية تحويل القبلة.
4 - آية أمر النساء بالحجاب.
5 - النهي عن القيام على قبر من مات من المنافقين.
وطعن عمر رضي الله عنه يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ودُفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين (يوافق سنة 644 م) وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح المشهور.
والذي طعن عمر: العلج أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة وهو قائم في صلاة الصبح حين أحرم بالصلاة طعنه بسكين ذات طرفين فضربه في كتفه وخاصرته، وقيل: ضربه ضربات، فقال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدّعي الإسلام. والظاهر أن العلج هذا كان مجنونا لأنه طعن مع عمر ثلاثة عشر رجلا، توفي منهم سبعة وعاش الباقون، ولما أحس أنه مقتول قتل نفسه.
وكانت خلافته - رضي الله عنه - عشر سنين وخمسة أشهر وأحدا وعشرين يوما، وثبت في «صحيح البخاري» وغيره أنه أول من جمع الناس لصلاة التراويح فجمعهم على أبيّ بن كعب بن قيس رضي الله عنه، وأجمع المسلمون في زمنه وبعده على استحبابها، ورُوي عن عليّ رضي الله عنه أنه مرّ على المساجد في رمضان وفيها القناديل فقال: «نوَّر الله على عمر قبره كما نوّر علينا مساجدنا».
قال الغزالي رحمه الله: لما ولي عمر رضي الله عنه الخلافة، كانت له زوجة يحبها فطلقها خيفة أن تشير عليه بشفاعة في باطل فيطيعها ويطلب رضاها، وذلك لشدة تمسكه بالعدل.