سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/هدم مسجد الضرار بقباء
لما رجع رسول الله من تبوك قبل أن يدخل المدينة جاءه جماعة من المنافقين وسألوه أن يأتي مسجدهم بقباء ليصلي فيه وهو (مسجد الضرار) الذي بنوه مضاهاة لمسجد قباء لإضرار المسلمين وتفريق كلمتهم وجماعتهم وكان المنافقون يجتمعون فيه ويعيبون النبي ﷺ ويستهزئون، فدعا رسول الله بقميصه ليلبسه ويأتيهم فأنزل الله عليه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهّرِينَ} (التوبة: 107، 108).
فدعا رسول الله مالك بن الدخشم ومعن بن عدي بن عامر بن السكن ووحشيا وقال: «انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه» فخرجوا مسرعين حتى أتوا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدُّخشم فقال مالك: أنظروني حتى آتيكم بنار فدخل عند أهله فأخذ من سعف النخل فأشعله ثم خرجوا يشتدون حتى دخلوا المسجد وفيه أهله فحرَّقوه وهدموه وتفرق عنه أهله وأمر رسول الله أن يتخذوا ذلك الموضع كناسة تلقى فيه الجيف والقمامات.
كان أصحاب مسجد الضرار أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلِّي لنا فيه فقال: «إني على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم» فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد من السماء.
وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا: خذام بن خالد ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب، ومُعتِّب بن قُشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعياد بن حُنيف، وجارية بن عامر وابناه مجمع بن جارية، وزيد بن جارية، ونَبْتل بن الحارث، وبخزج، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت.
أما مالك بن الدخشم الذي مرَّ ذكره وهو أحد الذين هدموا مسجد الضرار، فقد كان يُتهم بالنفاق، وهو الذي قال فيه عتبان بن مالك لرسول الله إنه منافق فقال رسول الله: «أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟» فقال: بلى ولا شهادة له، فقال رسول الله: «أليس يصلي؟» قال: بلى ولا صلاة له، فقال رسول الله: «أولئك الذين نهاني الله عنهم، ولا يصح عنه النفاق وقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه».
لماذا بني مسجد الضرار؟
وصف الله مسجد الضرار بصفات أربع:
1 - بقوله: ضرارا، والضرار محاولة الضر.
2 - وبقوله: وكفرا، قال ابن عباس: يريد به ضرارا للمؤمنين وكفرا بالنبي عليه السلام وبما جاء به.
3 - وبقوله تفريقا بين المؤمنين، لأن المنافقين قالوا: نبني مسجدا فنصلي فيه ولا نصلي خلف محمد، فإن أتانا فيه صلينا معه وفرقنا وبينه وبين الذين يصلون في مسجده فيؤدي ذلك إلى اختلاف الكلمة وبطلان الألفة.
4 - وبقوله: إرصادا لمن حارب الله ورسوله.
هذه هي الأسباب التي بنى المنافقون من أجلها مسجد الضّرار كما ذكرت في القرآن الكريم، ثم إنه تعالى لما وصف هذا المسجد بهذه الصفات الأربع قال: وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى أي: ليحلفن ما أردنا ببنائه إلا الفعلة الحسنى، وهو الرفق بالمسلمين في التوسعة على أهل الضعف، والعلة والعجز عن المسير إلى مسجد رسول الله، وذلك أنهم قالوا لرسول الله: إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ثم قال تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ}، والمعنى أن الله تعالى اطلع الرسول على أنهم حلفوا كاذبين.
وقد تقدم أن هذا المسجد كان مآله الهدم والحرق وصار موضعا لإلقاء الجيف والقمامات.