البداية والنهاية/الجزء العاشر/أبو النصر الجهني المصاب
كان مقيما بالمدينة النبوية بالصفة من المسجد في الحائط الشمالي منه، وكان طويل السكوت، فإذا سئل أجاب بجواب حسن، ويتكلم بكلمات مفيدة تؤثر عنه وتكتب.
وكان يخرج يوم الجمعة قبل الصلاة فيقف على مجامع الناس فيقول: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْما لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئا } [لقمان: 33] و { وَاتَّقُوا يَوْما لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } [البقرة: 48] ثم ينتقل إلى جماعة أخرى ثم إلى أخرى حتى يدخل المسجد فيصلي فيه الجمعة ثم لا يخرج منه حتى يصلي العشاء الآخرة.
وقد وعظ مرة هارون الرشيد بكلام حسن فقال: اعلم أن الله سائلك عن أمة نبيه فأعد لذلك جوابا، وقد قال عمر بن الخطاب: لو ماتت سخلة بالعراق ضياعا لخشيت أن يسألني الله عنها.
فقال الرشيد: إني لست كعمر، وإن دهري ليس كدهره.
فقال: ما هذا بمغن عنك شيئا.
فأمر له بثلثمائة دينار، فقال: أنا رجل من أهل الصفة فمر بها فلتقسم عليهم وأنا واحد منهم.