البداية والنهاية/الجزء العاشر/وعيسى بن عمر أبو عمرو
الثقفي البصري، النحوي شيخ سيبويه.
يقال: إنه من موالي خالد بن الوليد، وإنما نزل في ثقيف فنسب إليهم.
كان إماما كبيرا جليلا في اللغة والنحو والقراءات، أخذ ذلك عن: عبيد الله بن كثير، وابن المحيص، وعبد الله بن أبي إسحاق، وسمع الحسن البصري وغيرهم.
وعنه: الخليل بن أحمد، والأصمعي، وسيبويه.
ولزمه وعرف به وانتفع به، وأخذ كتابه الذي سماه: بالجامع فزاد عليه وبسطه، فهو كتاب سيبويه اليوم، وإنما هو كتاب شيخه، وكان سيبويه يسأل شيخه الخليل بن أحمد عما أشكل عليه فيه، فسأله الخليل أيضا عما صنف عيسى بن عمر فقال: جمع بضعا وسبعين كتابا ذهبت كلها إلا كتاب الإكمال، وهو بأرض فارس، وهو الذي اشتغل فيه وأسألك عن غوامضه.
فأطرق الخليل ساعة ثم أنشد:
ذهب النحو جميعا كله * غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع * وهما للناس شمس وقمر
وقد كان عيسى يغرب ويتقعر في عبارته جدا.
وقد حكى الجوهري عنه في الصحاح: أنه سقط يوما عن حماره فاجتمع عليه الناس فقال: مالكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي مرة؟ افرنقعوا عني.
معناه: مالكم تجمعتم علي تجمعكم على مجنون؟ انكشفوا عني.
وقال غيره: كان به ضيق النفس فسقط بسببه فاعتقد الناس أنه مصروع فجعلوا يعودونه ويقرأون عليه، فلما أفاق من غشيته قال ما قال.
فقال بعضهم: إني حسبته - يتكلم بالفارسية -.
وذكر ابن خلكان أنه كان صاحبا لأبي عمرو بن العلاء، وأن عيسى بن عمر قال يوما لأبي عمرو بن العلاء: أنا أفصح من معدّ بن عدنان.
فقال له أبو عمرو كيف تقرأ هذا البيت:
قد كنَّ يخبأن الوجوه تسترا * فاليوم حين بدأن للنظار
أو بدين؟ فقال: بدين.
فقال أبو عمرو: أخطأت.
ولو قال: بدأن لأخطأ أيضا.
وإنما أراد أبو عمرو تغليطه، وإنما الصواب بَدونَ، من: بدا يبدو إذا ظهر، وبدأ يبدأ إذا شرع في الشيء.