البداية والنهاية/الجزء العاشر/إسماعيل بن جامع
ابن إسماعيل بن عبد الله بن المطلب بن أبي وداعة، أبو القاسم، أحد المشاهير بالغناء، كان ممن يضرب به المثل، وقد كان أولا يحفظ القرآن ثم صار إلى صناعة الغناء وترك القرآن.
وذكر عنه أبو الفرج بن علي بن الحسين صاحب الأغاني حكايات غريبة، من ذلك أنه قال: كنت يوما مشرفا من غرفة بحران إذ أقبلت جارية سوداء معها قربة تستقي الماء، فجلست ووضعت قربتها واندفعت تغني:
إلى الله أشكو بخلها وسماحتي * لها عسل مني وتبذل علقما
فردِّي مصاب القلب أنت قتلته * ولا تتركيه هائم القلب مغرما
قال: فسمعت ما لا صبر لي عنه ورجوت أن تعيده فقامت وانصرفت، فنزلت وانطلقت وراءها وسألتها أن تعيده فقالت: إن عليَّ خراجا كل يوم درهمين، فأعطيتها درهمين فأعادته فحفظته وسلكته يومي ذلك، فلما أصبحت أنسيته فأقبلت السوداء فسألتها أن تعيده فلم تفعل إلا بدرهمين، ثم قالت: كأنك تستكثر أربعة دراهم، كأني بك وقد أخذت عليه أربعة آلاف دينار.
قال: فغنيته ليلة للرشيد فأعطاني ألف دينار، ثم استعادنيه ثلاث مرات أخرى وأعطاني ثلاثة آلاف دينار، فتبسمت فقال: ممَّ تبسمت؟
فذكرت له القصة فضحك وألقى إلي كيسا آخر فيه ألف دينار.
وقال: لا أكذب السوداء.
وحكى عنه أيضا قال: أصبحت يوما بالمدينة وليس معي إلا ثلاثة دراهم، فإذا جارية على رقبتها جرة تريد الركي وهي تسعى وتترنم بصوت شجي:
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا * فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا
وذاك لأن النوم يغشى عيونهم * سريعا ولا يغشى لنا النوم أعينا
إذا ما دنا الليل المضرُّ بذي الهوى * جزعنا وهم يستبشرون إذ دنا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما * نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
قال: فاستعدته منها وأعطيتها الدراهم الثلاثة فقالت: لتأخذن بدلها ألف دينار، ألف دينار، وألف دينار.
فأعطاني الرشيد ثلاثة آلاف دينار في ليلة على ذلك الصوت.
وفيها توفي: