البداية والنهاية/الجزء العاشر/ثم دخلت سنة ثنتين وأربعين ومائة
فيها: خلع عيينة بن موسى بن كعب نائب السند الخليفة، فجهز إليه العساكر صحبة عمر بن حفص بن أبي صفرة، وولاه السند والهند، فحاربه عمر بن حفص وقهره على الأرض، وتسلمها منه.
وفيها: نكث أصبهبذ طبرستان العهد الذي كان بينه وبين المسلمين، وقتل طائفة ممن كان بطبرستان، فجهز إليه الخليفة الجيوش صحبة خازم بن خزيمة، وروح بن حاتم، ومعهم مرزوق أبو الخصيب، مولى المنصور، فحاصروه مدة طويلة، فلما أعياهم فتح الحصن الذي هو فيه احتالوا عليه، وذلك أن أبا الخصيب قال: اضربوني واحلقوا رأسي ولحيتي.
ففعلوا ذلك، فذهب إليه كأنه مغاضب للمسلمين قد ضربوه وحلقوا لحيته، فدخل الحصن ففرح به الأصبهبذ وأكرمه وقربه، وجعل أبو الخصيب يظهر له النصح والخدمة حتى خدعه، وحظي عنده جدا وجعله من جملة من يتولى فتح الحصن وغلقه، فلما تمكن من ذلك كاتب المسلمين وأعلمهم أنه في الليلة الفلانية يفتح لهم، فاقتربوا من الباب حتى أفتحه لكم، فلما كانت تلك الليلة فتح لهم باب الحصن فدخلوا فقتلوا من فيه من المقاتلة وسبوا الذرية وامتص الأصبهبذ خاتما مسموما فمات.
وكان فيمن أسروا يومئذ أم منصور بن المهدي، وأم إبراهيم بن المهدي، وكانتا من بنات الملوك الحسان.
وفيها: بنى المنصور لأهل البصرة قبلتهم التي يصلون عندها بالجبان، وتولى بناءها سلمة بن سعيد بن جابر نائب الفرات والأبلة.
وصام المنصور شهر رمضان بالبصرة، وصلى بالناس العيد في ذلك المصلى.
وفيها: عزل المنصور نوفل بن الفرات عن إمرة مصر وولى عليها حميد بن قحطبة.
وحج بالناس فيها: إسماعيل بن علي.
وفيها توفي: سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، عم الخليفة ونائب البصرة.
كان ذلك يوم السبت لسبع بقين من جمادى الآخرة، وهو ابن تسع وخمسين سنة، وصلى عليه أخوه عبد الصمد.
وروى عن: أبيه، وعكرمة، وأبي بردة بن أبي موسى.
وعنه جماعة منهم: بنوه جعفر، ومحمد، وزينب، والأصمعي.
وكان قد شاب وهو ابن عشرين سنة، وخضب لحيته من الشيب في ذلك السن، وكان كريما جوادا ممدحا.
وكان يعتق عشية عرفة في كل سنة مائة نسمة، وبلغت صلاته لبني هاشم وسائر قريش والأنصار خمسة آلاف ألف، واطلع يوما من قصره فرأى نسوة يغزلن في دار من دور البصرة، فاتفق في نظره هذا إليهن أن قالت واحدة منهن: لو أن الأمير نظر إلينا واطلع على حالنا فأغنانا عن الغزل؟
فنهض من فوره فجعل يدور في قصره ويجمع من حلى نسائه من الذهب والجواهر وغيرها ما ملأ به منديلا كبيرا، ثم دلاه إليهن ونثر عليهن من الدنانير والدراهم شيئا كثيرا، فماتت إحداهن من شدة الفرح، فأعطى ديتها وما تركته من ذلك لورثتها.
وقد ولي الحج في أيام السفاح، وولي البصرة أيام المنصور، وكان من خيار بني العباس، وهو: أخو إسماعيل وداود وصالح وعبد الصمد وعبد الله وعيسى ومحمد، وهو: عم السفاح والمنصور.
وممن توفي فيها من الأعيان:
خالد الحذاء، وعاصم الأحول.