البداية والنهاية/الجزء العاشر/أبو دلف العجلي
عيسى بن إدريس بن معقل بن عمير بن شيخ بن معاوية بن خزاعي بن عبد العزيز بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لحيم، الأمير، أبو دلف العجلي، أحد قواد المأمون والمعتصم وإليه ينسب الأمير أبو نصر بن ماكولا، صاحب كتاب الإكمال.
وكان القاضي جلال الدين خطيب دمشق القزويني يزعم أنه من سلالته، ويذكر نسبه إليه.
وكان أبو دلف هذا كريما جوادا ممدحا، قد قصده الشعراء من كل أوب، وكان أبو تمام الطائي من جملة من يغشاه ويستمنح نداه، وكانت لديه فضيلة في الأدب والغناء، وصنف كتبا منها: سياسة الملوك، ومنها: في الصيد، والبزاة، وفي السلاح، وغير ذلك.
وما أحسن ما قال فيه بكر بن النطاع الشاعر:
يا طالبا للكيمياء وعلمه * مدح ابن عيسى الكيمياء الأعظم
لو لم يكن في الأرض إلا درهم * ومدحته لأتاك ذاك الدرهم
فيقال: إنه أعطاه على ذلك عشرة آلاف درهم.
وكان شجاعا فاتكا، وكان يستدين ويعطي، وكان أبوه قد شرع في بناء مدينة الكرخ فمات ولم يتمها فأتمها أبو دلف، وكان فيه تشيع.
وكان يقول: من لم يكن متغاليا في التشيع فهو ولد زنا.
فقال له ابنه دلف: لست على مذهبك يا أبت.
فقال: والله لقد وطئت أمك قبل أن أشتريها، فهذا من ذاك.
وقد ذكر ابن خلكان أن ولده رأى في المنام بعد وفاة أبيه أن آتيا أتاه فقال: أجب الأمير !
قال: فقمت معه فأدخلني دارا وحشة وعرة سوداء الحيطان مغلقة السقوف والأبواب.
ثم أصعدني في درج منها ثم أدخلني غرفة، وإذا في حيطانها أثر النيران، وفي أرضها أثر الرماد، وإذا بأبي فيها وهو عريان واضع رأسه بين ركبتيه.
فقال لي كالمستفهم: أدلف؟
فقلت: دلف.
فأنشأ يقول:
أبلغنْ أهلنا ولا تخف عنهم * ما لقينا في البرزخ الخناق
قد سئلنا عن كل ما قد فعلنا * فارحموا وحشتي وما قد ألاقي
ثم قال: أفهمت؟
قلت: نعم !
ثم أنشأ يقول:
فلو أنا إذا متنا تركنا * لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا * ونسأل بعده عن كل شيء
ثم قال: أفهمت؟
قلت: نعم ! وانتبهت.