البداية والنهاية/الجزء العاشر/الخليل بن أحمد بن عمرو
ابن تميم، أبو عبد الرحمن الفراهيدي، ويقال: الفرهودي الأزدي، شيخ النحاة، وعنه أخذ: سيبويه، والنضر بن شميل، وغير واحد من أكابرهم.
وهو الذي اخترع علم العروض، قسمه إلى خمس دوائر وفرعه إلى خمسة عشر بحرا، وزاد الأخفش فيه بحرا آخر وهو: الخبب، وقد قال بعض الشعراء:
قد كان شعر الورى صحيحا * من قبل أن يخلق الخليل
وقد كان له معرفة بعلم النغم، وله فيه تصنيف أيضا، وله كتاب العين في اللغة، ابتدأه وأكمله النضر بن شميل وأضرابه من أصحاب الخليل، كمؤرج السدوسي، ونصر بن علي الجهضمي، فلم يناسبوا ما وضعه الخليل.
وقد وضع ابن درستويه كتابا وصف فيه ما وقع لهم من الخلل فأفاد.
وقد كان الخليل رجلا صالحا عاقلا وقورا كاملا، وكان متقللا من الدنيا جدا، صبورا على خشونة العيش وضيقه، وكان يقول: لا يجاوز همي ما وراء بابي، وكان ظريفا حسن الخلق.
وذكر أنه اشتغل رجل عليه في العروض وكان بعيد الذهن فيه قال: فقلت له يوما: كيف تقطع هذا البيت؟
إذا لم تستطع شيئا فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع
فشرع معي في تقطيعه على قدر معرفته، ثم إنه نهض من عندي فلم يعد إليّ، وكأنه فهم ما أشرت إليه.
ويقال: إنه لم يسم أحد بعد النبي ﷺبأحمد سوى أبيه، وروى ذلك عن أحمد بن أبي خيثمة، والله أعلم.
ولد الخليل سنة مائة من الهجرة، ومات بالبصرة سنة سبعين ومائة على المشهور، وقيل: سنة ستين، وزعم ابن الجوزي في كتابه شذور العقود أنه توفي سنة ثلاثين ومائة، وهذا غريب جدا والمشهور الأول.
وفيها: توفي الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي مولاهم، المصري المؤدب راوية الشافعي، وآخر من روى عنه.
وكان رجلا صالحا تفرس فيه الشافعي وفي البويطي والمزني وابن عبد الحكم العلم فوافق ذلك ما وقع في نفس الأمر، ومن شعر الربيع هذا:
صبرا جميلا ما أسرع الفرجا * من صدق الله في الأمور نجا
من خشي الله لم ينله أذى * ومن رجا الله كان حيث رجا
فأما الربيع بن سليمان بن داود الجيزي فإنه روى عن الشافعي أيضا.
وقد مات في سنة ست وخمسين ومائتين، والله أعلم.