البداية والنهاية/الجزء العاشر/ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائتين
في صفر منها: دخل الخليفة المتوكل إلى مدينة دمشق في أبهة الخلافة وكان يوما مشهودا، وكان عازما على الإقامة بها، وأمر بنقل دواوين الملك إليها، وأمر ببناء القصور بها، فبنيت بطريق داريا، فأقام بها مدة، ثم إنه استوخمها، ورأى أن هواءها بارد ندي وماءها ثقيل بالنسبة إلى هواء العراق ومائه، ورأى الهواء بها يتحرك من بعد الزوال في زمن الصيف فلا يزال في اشتداد وغبار إلى قريب من ثلث الليل، ورأى كثرة البراغيث بها، ودخل عليه فصل الشتاء فرأى من كثرة الأمطار والثلوج أمرا عجيبا، وغلت الأسعار وهو بها لكثرة الخلق الذين معه، وانقطعت الأجلاب بسبب كثرة الأمطار والثلوج.
فضجر منها، ثم جهز بغا إلى بلاد الروم، ثم رجع من آخر السنة إلى سامرا بعد ما أقام بدمشق شهرين وعشرة أيام، ففرح به أهل بغداد فرحا شديدا.
وفيها: أتى المتوكل بالحربة التي كانت تحمل بين يدي رسول الله ﷺففرح بها فرحا شديدا، وقد كانت تحمل بين يدي رسول الله عليه وسلم يوم العيد وغيره، وقد كانت للنجاشي فوهبها للزبير بن العوام، فوهبها الزبير للنبي ﷺ، ثم إن المتوكل أمر صاحب الشرطة أن يحملها بين يديه كما كانت تحمل بين يدي رسول الله ﷺ.
وفيها: غضب المتوكل على الطبيب بختيشوع ونفاه وأخذ ماله.
وحج بالناس فيها عبد الصمد المتقدم ذكره قبلها.
واتفق في هذه السنة يوم عيد الأضحى وخميس فطر اليهود وشعانين النصارى، وهذا عجيب غريب.
وفيها توفي: أحمد بن منيع، وإسحاق بن موسى الخطمي، وحميد بن مسعدة، وعبد الحميد بن بيان، وعلي بن حجر، والوزير محمد بن عبد الملك الزيات، ويعقوب بن السكيت صاحب إصلاح المنطق.