البداية والنهاية/الجزء العاشر/يعقوب بن داوود بن طهمان
أبو عبد الله، مولى عبد الله بن حازم السلمي، استوزره المهدي وحظي عنده جدا، وسلم إليه أزمة الأمور، ثم لما أمر بقتل ذلك العلوي كما تقدم فأطلقه ونمت عليه تلك الجارية سجنه المهدي في بئر وبنيت عليه قبة، ونبت شعره حتى صار مثل شعور الأنعام، وعمي، ويقال: بل غشي بصره، ومكث نحوا من خمسة عشر سنة في ذلك البئر لا يرى ضوءا ولا يسمع صوتا إلا في أوقات الصلوات يعلمونه بذلك، ويدلى إليه في كل يوم رغيف وكوز ماء، فمكث كذلك حتى انقضت أيام المهدي وأيام الهادي وصدر من أيام الرشيد.
قال يعقوب: فأتاني آت في منامي فقال:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه * يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفك عانٍ * ويأتي أهله النائي الغريب
فلما أصبحت نوديت فظننت أني أعلم بوقت الصلاة، ودلي إلي حبل وقيل لي: اربط هذا الحبل في وسطك، فأخرجوني، فلما نظرت إلى الضياء لم أبصر شيئا، وأوقفت بين يدي الخليفة فقيل لي: سلم على أمير المؤمنين، فظننته المهدي فسلمت عليه باسمه.
فقال: لست به.
فقلت: الهادي؟
فقال: لست به.
فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين الرشيد.
فقال: نعم.
ثم قال: والله إنه لم يشفع فيك عندي أحد، ولكني البارحة حملت جارية لي صغيرة على عنقي فذكرت حملك إياي على عنقك فرحمت ما أنت فيه من الضيق فأخرجتك.
ثم أنعم عليه وأحسن إليه.
فغار منه يحيى بن خالد بن برمك، وخشي أن يعيده إلى منزلته التي كان عليها أيام المهدي، وفهم ذلك يعقوب فاستأذن الرشيد في الذهاب إلى مكة فأذن له، فكان بها حتى مات في هذه السنة رحمه الله.
وقال: يخشى يحيى أن أرجع إلى الولايات، لا والله ما كنت لأفعل أبدا، ولو رددت إلى مكاني.
وفيها توفي: