صيد الخاطر/فصل: أذل الذل التعرض للبخلاء والأمراء
فصل: أذل الذل التعرض للبخلاء والأمراء
عدلالآدمي موضوع على مطلوبات تشتت الهم، العين تطلب المنظور، واللسان يطلب الكلام، والبطن يطلب المأكول، والفرج المنكوح، والطبع يحب جمع المال. وقد أمرنا بجمع الهم لذكر الآخرة، والهوى يشتته. فكيف إذا اجتمعت إليه حاجات لازمة من طلب قوت البدن وقوت العيال. وهذا يبكر إلى دكانه ويتفكر في التحصيل، ويستعمل مالة الفهم في نيل ما لا بد منه. فأي هم يجتمع منه خصوصا إن أخذه الشره في صورة فيمضي العمر، فينهض من الدكان إلى القبر. فكيف يحصل العلم أو العمل أو إخلاص القصد أو طلب الفضائل. فمن رزق يقظه، فينبغي أن يصابر لنيل الفضائل. فإن كان متزهدا بغير عائلة اكتفى بسعي قليل، فقد كان السبتي يعمل يوم السبت فيكتفي به طول الأسبوع. فإن كان له مال باضع به من يكفيه بدينه، وثقته من أن يهتم هو. وإن كان له عائلة جمع همه في نية الكسب عليهم فيكون متعبدا. أو أن يكون قنية تنال كعقار ناصفه في نفقته ليكفيه دخله. وليقلل الهم على مقدار ما يمكنه من حذف العلائق جهده ليجمع الهم في ذكر الآخرة. فإن لم يفعل أخذ في غفلته وندم في حفرته. وأقبح الأحوال حال عالم فقيه كلما جمع همه لذكر الآخرة شتته طلب القوت للعائلة. وربما إحتاج إلى التعرض للظلمة وأخذ الشبهات وبذل الوجه، فيلزم هذا التقدير في النفقة. وإذا حصل له شيء من وجه دبر فيه. ولا ينبغي أن يحمله قصر الأمل على إخراج ما في يده، فقد قال ﷺ: لأن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركها عالة يتكففون الناس وأذل من كل ذل التعرض للبخلاء والأمراء. فليدبر أمره، ويقلل العلائق، يحفظ جاهه. فالأيام قلائل. وقد بعث إلى أحمد بن حنبل فسأله ابنه قبوله فقال: [ يا صالح صنى، ثم قال: أستخير الله، فأصبح فقال: يا بني قد عزم لي ألا أقبله ]. هذا وكان العطاء هنيا، وجاءه من وجوه. فانعكس الأمر اليوم.