صيد الخاطر/فصل: المباحات تشغل عن تحصيل الفضائل
فصل: المباحات تشغل عن تحصيل الفضائل
أشد الناس جهلا منهوم باللذات. واللذات على ضربين: مباحة ومحظورة فالمباحة لا يكاد يحصل منها شيء إلا بضياع ما هو مهم من الدين. فإذا حصلت منها محبة قارنها قنطار من الهم. ثم لا تكاد تصفو في نفسها بل مكدراتها ألوف. فإذا صور عدمها بعد انقضائها وبقاء هذه الألوف المكدرة صار التصوير مغلصما للهوى مجرئا للنفس. فإذا أنفت أنفت من الأسف على الدوام ما لا تحويه صفة، فهي تغر الغمر وتهدم العمر، وتديم الأسى. ومع هذا فالمنهوم كلما عب من لذة طلب أختها، وقد عرف جناية الأولى وخيانتها. وهذا مرض العقل، وداء الطبع، فلا يزال هذا كذلك، إلى أن يختطف بالموت، فيلقى على بساط ندم لا يستدرك. فالعجب ممن همته هكذا مع قصر العمر، ثم لا يهتم بآخرته التي لذتها سليمة من شامت، منزهة عن معائب دائمة الأمد، باقية ببقاء الأبد. وإنما يحصل تقريب هذه بإبعاد تلك، وعمران هذه بتخريب تلك. فواعجبا لعاقل حصيف حسن التدبير فاته النظر في هذه الأحوال، وغفل عن التمييز بين هذين الأمرين. وإن كانت اللذة معصية إنضم إلى ما ذكرناه عار الدنيا، والفضيحة بين الخلق، وعقوبة الحدود، وعقاب الآخرة، وغضب الحق سبحانه. بالله، إن المباحات تشغل عن تحصيل الفضائل، فذم ذلك لبيان الحزم. فكيف بالمحرمات التي هي غاية الرذائل؟ نسأل الله عز وجل يقظه تحركنا إلى منافعنا. وتزعجنا عن خوادعنا، إنه قريب.