صيد الخاطر/فصل: تزينوا للحق لا للخلق
فصل: تزينوا للحق لا للخلق
ما أقل من يعمل لله تعالى خالصا، لأن أكثر الناس يحبون ظهور عباداتهم وسفيان الثوري كان يقول: [ لا أعتد بما ظهر من عملي ]. وكانوا يسترون أنفسهم. واليوم ثياب القوم تشهرهم، وقد كان أيوب السختياني يطول قميصه، حتى يقع على قدميه، ويقول: كانت الشهرة في التطويل، واليوم الشهرة في التقصير. فاعلم أن ترك النظر إلى الخلق ومحو الجاه من قلوبهم بالعمل وإخلاص القصد وستر الحال، هو الذي رفع من رفع. فقد كان أحمد بن حنبل يمشي حافيا في وقت ويحمل نعليه في يديه ويخرج للقاط، وبشر يمشي حافيا على الدوام وحده، ومعروف يلتقط النوى. واليوم صارت الرياسات أكثر من كل جانب، وما تتمكن الرياسات حتى تتمكن من القلب الغفلة، ورؤية الخلق، ونسيان الحق، فحينئذ تطلب الرياسة على أهل الدنيا. ولقد رأيت من الناس عجبا، حتى من يتزين بالعلم، إن رآني أمشي وحدي أنكر علي، وإن رآني أزور فقيرا عظم ذلك، وإن رآني أنبسط بتبسم، نقصت من عينه. فقلت: فواعجبا، هذه كانت طريق الرسول ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم. فصارت أحوال الخلق، نواميس لإقامة الجاه. لا جرم ـ والله ـ سقطتم من عين الحق، فأسقطكم من عين الخلق. فكم ممن يتعب في تربية ناموس، ولا يلتفت إليه ولا يحظى بمراده، ويفوته المراد الأكبر. فالتفتوا ـ إخواني ـ إلى إصلاح النيات، وترك التزين للخلق. ولتكن عمدتكم الإستقامة مع الحق، فبذلك صعد السلف وسعدوا. وإياكم وما الناس عليه اليوم، فإنه بالإضافة إلى يقظة السلف، نوم.