صيد الخاطر/فصل: احذر الصديق قبل العدو
فصل: احذر الصديق قبل العدو
عدلمن أعظم الغلط الثقة بالناس والاسترسال إلى الأصدقاء، فإن أشد الأعداء وأكثرهم أذى الصديق المنقلب عدوا، لأنه قد اطلع على خفي السر. قال الشاعر:
احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة
واعلم أن من الأمر الموضوع في النفوس الحسد على النعم، أو الغبطة وحب الرفعة، فإذا رآك من يعتقدك مثلا له وقد ارتقيت عليه فلا بد أن يتأثر وربما حسد. فإن إخوة يوسف عليهم السلام من هذا الجنس جرى لهم ما شأنهم. فإن قلت: كيف يبقى الإنسان بلا صديق؟ قلت لك أتراك ما تعلم أن المجانس يحسد، وأن أكثر العوام يعتقدون في العالم أنه لا يبتسم، ولا يتناول من شهوات الدنيا شيئا، فإذا رأوا بعض انبساطه في المباح هبط من أعينهم فإذا كانت هذه حالة العوام، وتلك حالة الخواص، فمع من تكون المعاشرة؟ لا بل والله ما تصح المعاشرة مع النفس لأنها متلونة، وليس إلا المداراة للخلق والإحتراز منهم، واتخاذ المعارف من غير طمع في صديق صادق، فإن ندر فليكن غير مماثل، لأن الحسد إليه أسبق، وليكن مرتفعا عن رتبة العوام غير طامع في نيل مقامك. وإن كانت معاشرة هذا لا تشفي لأن المعاشرة ينبغي أن تكون بين العلماء للمجانس، فلزمهم من الإرشادات في المخالطة ما تطيب به المجالسة، ولكن لا سبيل إلى الوصال. ومثل هذه الحال أنك إن إستخدمت الأذكياء عرفوا باطنك، وإن إستخدمت الأبله إنعكست مقاصدك. فإجعل الأذكياء لحوائجك الخارجة، والبله لحوائجك في منزلك لئلا يعلموا أسرارك، وأقنع من الأصدقاء، بمن وصفته لك، ثم لا تلقه إلا متدرعا درع الحذر، ولا تطلعه على باطن يمكن أن يستر عنه، وكن كما يقال عن الذئب:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع