صيد الخاطر/فصل: من إشتغل بخدمة الخلق أعرض عن الحق
فصل: من إشتغل بخدمة الخلق أعرض عن الحق
رأيت أكثر العلماء يتشاغلون بصورة العلم، فهم الفقيه التدريس، وهم الواعظ الوعظ. فهذا يرعى درسه فيفرج بكثرة من يسمعه، ويقدح في كلام من يخالفه ويمضي زمانه في التفكر في المناقضات، ليقهر من يجادله، وعينه إلى التصدر والإرتفاع في المجالس. وربما كانت همته جمع الحطام، ومخالطة السلاطين. والواعظ همته ما يزوق به كلامه، ويكثر جمعه، ويجلب به قلوب الناس إلى تعظيمه، فإن كان له نظير في شغله أخذ يطعن فيه. وهذه قلوب غافلة عن الله عز وجل، إذ لو كانت لها به معرفة لإشتغلت به، وكان أنسها بمناجاته، وإيثارها لطاعته، وإقبالها على الخلوة به. لكنها لما خلت من هذا تشاغلت بالدنيا وذاك دنيا مثلها. فإذا خلت بخدمة الله تعالى لم تجد لها طعما، وكان جمع الناس أحب إليها، وزيارة الخلق لها آثر عندما وهذه علامة الخذلان. وعلى ضد هذا متى كان العالم مقبلا على الله سبحانه مشغولا بطاعته، كان أصعب الأشياء عنده لقاء الخلق ومحادثتهم، وأحب الأشياء إليه الخلوة. وكان عنده شغل من القدح في النظراء، أو عن طلب الرياسة. فإن ما علق به همته من الآخرة أعلى من ذلك. والنفس لا بد لها مما تشاغل به. فمن إشتغل لخدمة الخلق أعرض عن الحق، فإنما يربي رياسته. وذلك يوجب الإعراض عن الحق، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.