صيد الخاطر/فصل: من أخطاء الصوفية
فصل: من أخطاء الصوفية
عدلليس في الوجود شيء أشرف من العلم، كيف لا وهو الدليل، فإذا عدم وقع الضلال. وان من خفي مكايد الشيطان أن يزين في نفس الإنسان التعبد ليشغله عن أفضل التعبد وهو العلم، حتى إنه زين لجماعة من القدماء أنهم دفنوا كتبهم ورموها في البحر. وهذا قد ورد عن جماعة. وأحسن ظني بهم أن أقول:كان فيها شيء من رأيهم وكلامهم فما حبوا انتشاره. وإلا فمتى كان فيها علم مفيد صحيح لا يخاف عواقبه، كان رميها إضاعة. للمال لا يحل. وقد دنت حيلة إبليس إلى جماعة من المتصوفة حتى منعوا من حمل المحابر تلامذتهم. وحتى قال جعفر الخلدي: لو تركني الصوفية جئتكم بإسناد الدنيا، كتبت مجلسا عن أبي العباس الدوري فلقيني بعض الصوفية فقال: [ دع علم الورق، وعليك بعلم الخرق ]. ورأيت محبرة مع بعض الصوفية. فقال له صوفي آخر: [ استر عورتك ] ـ وقد انشدوا للشبلي: إذا طالبوني بعلم الورق برزت عليهم بعلم الخرق وهذا من خفي حيل إبليس، ولقدصدق عليهم إبليس ظنه، وإنما فعل وزينة عندهم لسببين: أحدهما: أنه أرادهم يمشون في الظلمة. والثاني: أن تصفح العلم كل يوم يزيد في العالم. ويكشف له ما كان خفي عنه، ويقوي إيمانه ومعرفته، ويريه عيب كثير من مسالكه، إذا تصفح منهاج الرسول ﷺ، والصحابة. فأراد إبليس سد تلك الطرق بأخفى حيلة، فأظهر أن المقصود العمل، لا العلم لنفسه، وخفي على المخدوع أن العلم عمل وأي عمل. فاحذر من هذه الخديعة الخفية، فإن العلم هو الأصل الأعظم، والنور الأكبر. وربما كان تقليب الوراق أفضل من الصوم والصلاة، والحج والغزو. وكم من معرض عن العلم يخوض في عذاب من الهوى في تعبده، ويضيع كثيرا من الفرض بالنقل، ويشتغل بما يزعمه الأفضل عن الواجب. ولو كانت عنده شعلة من نور العلم لا هتدى، فتأمل ما ذكرت لك ترشد إن شاء الله تعالى.