صيد الخاطر/فصل: الغريزة
فصل: الغريزة
لما كان بدن الآدمي لا يقوم إلا باجتلاب المصالح ودفع المؤذي، ركب فيه الهوى، ليكون سببا لجلب النافع. والغضب ليكون سببا لدفع المؤذي. ولولا الهوى في المطعم، ما تناول الطعام، فلم يقم بدنه، فجعل له إليه ميل وتوق. فإذا حصل له قدر ما يقيم بدنه زال التوق، وكذلك في المشرب والملبس والمنكح. وفائدة المنكح من وجهين: أحدهما: إبقاء الجنس، وهو معظم المقصود. والثاني: دفع الفضلة المحتقنة المؤذي احتقانها. ولولا تركيب الهوى المائل بصاحبه إلى النكاح ما طلبه أحد، فمات النسل وآذى المحتقن. فأما العارفون فإنهم فهموا المقصود، وأما الجاهلون فإنهم مالوا مع الشهوة، والهوى، ولم يفهموا مقصود وضعها، فضاع زمانهم فيما لا طائل فيه، وفاتهم ما خلقوا لأجله، وأخرجهم هواهم إلىفساد المال، وذهاب العرض والدين، ثم أداهم إلى التلف. وكم قد رأينا من متنعم يبالغ في شراء الجواري، ليحرك طبعه بالمتجسد، فما كان أسرع من أن وهنت قواه الأصلية فتعجل تلفه. وكذلك رأينا من زاد غضبه فخرج عن الحد ففتك بنفسه وبمن يحبه. فمن علم أن هذه الأشياء إنما خلقت إعانة للبدن على قطع مراحل الدنيا، ولم تخلق لنفس الألتذاذ، وإنما جعلت اللذة فيها كالحيلة في إيصال النفع بها إذ لو كان المقصود التنعم بها لما جعلت الحيوانات البهيمة أو في حظا من الآدمي منها. فطوبى لمن فهم حقائق الوضع، ولم يمل له الهوى عن فهم حكم المخلوقات