صيد الخاطر/فصل: عليكم بالكتاب والسنة ترشدوا
فصل: عليكم بالكتاب والسنة ترشدوا
عدلرأيت إبليس قد إحتال بفنون الحيل على الخلق، وأمال أكثرهم عن العلم الذي هو مصباح السالك، فتركهم يتخبطون في ظلمات الجهل، وشغلهم بأمور الحس، ولا يلتفتون إلى مشورة العقل. فإذا ضاق بأحدهم عيشه أو نكب، إعترض فكفر. فمنهم من ينسب ذلك إلى الدهر، ومنهم من يسب الدنيا. وهذا إسفاف، لأن الدهر والدنيا لا يفعلان، وإنما هو عيب للمقدر. ومنهم من يخرجه الأمر إلى جحد الحكمة، فيقول: أي فائدة في نقض المبني؟ وزعم بعضهم أنه لا يتصور عود المنقوض، وأنكروا البعث، ويقولون: ما جاء من ثم أحد. ونسوا أن الوجود ما انتهى بعد، ولو خلفنا لصار الإيمان بالغيب عيانا. ولا يصلح أن يستدل على الأحياء بالأحياء. ثم نظر إبليس فرأى في المسلمين قوما فيهم فطنة فأراهم أن الوقوف على ظواهر الشريعة حالة يشاركهم فيها العوام. فحسن لهم علوم الكلام وصاروا يحتجون بقول أبقراط وجالينوس وفيثاغورس. وهؤلاء ليسوا بمتشرعين ولا تبعوا نبينا ﷺ، إنما قالوا بمقتضى ما سولت لهم أنفسهم. وقد كان السلف إذا نشأ لأحدهم ولد شغلوه بحفظ القرآن وسماع الحديث، فيثبت الإيمان في قلبه. فقد توانى الناس عن هذا فصار الولد الفطن يتشاغل بعلوم الأوائل، وينبذ أحاديث الرسول ﷺ، ويقول: أخبار آحاد. وأصحاب الحديث عندهم يسمون حشوية. ويعتقد هؤلاء أن العلم الدقيق علم الطفرة والهيولى والجزء الذي لا يتجزأ. ثم يتصاعدون إلى الكلام في صفات الخالق، فيدفعون ما صح عن رسول الله ﷺ بواقعاتهم. فيقول المعتزلة: [ إن الله لا يرى لأن المرئي يكون في جهة ] ويخالفون قول رسول الله ﷺ أنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته فأوجب هذا الحديث إيثار رؤيته، وإن عجزنا عن فهم كيفيتها. وقد عزل هؤلاء الأغبياء عن التشاغل بالقرآن، وقالوا، مخلوق، فزالت حرمته من القلوب. وعن السنة وقالوا أخبار آحاد. وإنما مذاهبهم السرقة من أبقراط وجالينوس. وقد إستفاد من تبع الفلاسفة أنه يرفه نقسه عن تعب الصلاة والصوم، وقد كان كبار العلماء يذمون علم الكلام، حتى قال الشافعي: [ حكمي فيهم أن يركبوا على البغال ويشهروا ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وإشتغل بالكلام ]. وقد آل بهم الأمر إلى أن إعتقدوا أن من لم يعرف تحرير دليل التوحيد فليس بمسلم. فا الله الله من مخالطة المبتدعة. وعليكم بالكتاب والسنة ترشدوا.