صيد الخاطر/فصل: الجمع بين العمل والعلم صعب
فصل: الجمع بين العمل والعلم صعب
عدلمن رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها، كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام وقال الآخر:
ولكل جسم في النحول بلية وبلاء جسمي من تفاوت همتي
وبيان هذا أن من علت همته طلب العلوم كلها، ولم يقتصر على بعضها، وطلب من كل علم نهايته، وهذا لا يحتمله البدن. ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل وصيام النهار، والجمع بين ذلك وبين العلم صعب. ثم يرى ترك الدنيا ويحتاج إلى ما لا بد منه. ويحب الإيثار ولا يقدر على البخل، ويتقاضاه الكرم البذل، ويمنعه عز النفس عن الكسب من وجوه التبذل. فإن هو جرى على طبعه من الكرم، احتاج وافتقر وتأثر بدنه وعائلته. وإن أمسك فطبعه يأبى ذلك. وفي الجملة يحتاج إلى معاناة وجمع بين أضداد، فهو أبدا في نصب لا ينقضي، وتعب لا يفرغ. ثم إذا حقق الإخلاص في الأعمال زاد تعبه، وقوى وصبه، فأين هو ومن دنت همته؟ إن كان فقيها فسئل عن حديث قال: ما أعرفه، وإن كان محدثا عن مسألة فقيهة قال: ما أدري، ولا يبالي إن قيل عنه مقصر. والعالي الهمة يرى التقصير في بعض العلوم فضيحة، قد كشفت عيبه، قد أرت الناس عورته. والقصير الهمة لا يبالي بمنن الناس، ولا يستقبح سؤالهم، ولا يأنف من رد، والعالي الهمة لا يحمل ذلك. ولكن تعب العالي الهمة راحة في المعنى، وراحة القصير الهمة تعب وشين إن كان ثم فهم. والدنيا دار سباق إلى أعالي المعالي، فينبغي لذي الهمة ألا يقصر في شوطه. فإن سبق فهو المقصود، وإن كبا جواده مع اجتهاده لم يلم.