صيد الخاطر/فصل: ما يجب على العالم
فصل: ما يجب على العالم
قد ثبت بالدليل شرف العلم وفضله، إلا أن طلاب العلم افترقوا، فكل تدعوه نفسه إلى شيء. فمنهم من أذهب عمره في القراءات، وذلك تفريط في العمر، لأنه إنما ينبغي أن يعتمد على المشهور منها لا على الشاذ. ما أقبح القارىء يسأل عن مسألة في الفقه وهو لا يدري. وليس ما شغله عن ذلك إلا كثرة الطرق في روايات القراءات. ومنهم من يتشاغل بالنحو وعلله فحسب، ومنهم من يتشاغل باللغة فحسب. ومنهم من يكتب الحديث، ويكثر ولا ينظر في فهم ما كتب. وقد رأينا في مشايخنا المحدثين من كان يسأل عن مسألة في الصلاة فلا يدري ما يقول. وكذلك القراء، وكذلك أهل اللغة والنحو. وحدثني عبد الرحمن بن عيسى الفقيه، قال: حدثني ابن المنصوري، قال: حضرنا مع أبي محمد بن الخشاب، وكان إمام الناس في النحو واللغة، فتذاكروا الفقه فقال: [ سلوني عما شئتم ]، فقال له رجل: إن قيل لنا رفع اليدين في الصلاة ما هو فماذا نقول؟ فقال: [ هو ركن ]. فدهشت الجماعة من قلة فقهه. وإنما ينبغي للعاقل أن يأخذ من كل علم طرفا يهتم بالفقه. ثم ينظر في مقصود العلوم، وهو المعاملة لله سبحانه، والمعرفة به، والحب له. وما أبله من يقطع عمره في معرفة علم النجوم، وإنما ينبغي أن يعرف من ذلك اليسير والمنازل لعلم الأوقات، فأما النظر فيما يدعى أنه القضاء والحكم فجهل محض لأنه لا سبيل إلى علم ذلك حقيقة وقد جرب فبان جهل مدعيه. وقد تقع الإصابة في وقت. وعلى تقدير الإصابة لا فائدة فيه إلا تعجيل الغم. فإن قال قائل: يمكن دفع ذلك فقد سلم أنه لا حقيقة له. وأبله من هؤلاء من يتشاغل بعلم الكيميا فإنه هذيان فارغ. وإذا كان لا يتصور قلب الذهب نحاسا لم يتصور قلب النحاس ذهبا. فإنما فاعل هذا مستحل للتدليس على الناس في النقود. هذا إذا صح له مراده. وينبغي لطالب العلم أن يصحح قصده، إذ فقدان الإخلاص يمنع قبول الأعمال. وليجتهد في مجالسة العلماء، والنظر في الأقوال المختلفة، وتحصيل الكتب، فلا يخلو كتاب من فائدة. وليجعل همته للحفظ، ولا ينظر ولا يكتب إلا وقت التعب من الحفظ. ولحيذر صحبة السلطان، ولينظر في منهاج الرسول ﷺ والصحابة والتابعين، وليجتهد في رياضة نفسه والعمل بعلمه، ومن تولاه الحق وفقه.